رجاه الخديو ولا أشار إلى ذلك من قريب ولا من بعيد. . .
ذعر الدائنون، وهبطت أسهم مصر كما يقول رجال المال، وتلقى الخديو الصدمة العنيفة ممن أمل على يديهم الإصلاح وقال في مرارة وغيظ:(لقد احتفروا لي قبري) وهي كلمة موجعة جامعة، فبعد هذا التصريح من جانب دزرائيلي سيكون الطوفان. وما كان في تقرير كيف إلا أن مصر (تشكو مما ينتشر في الشرق من أمراض منها الجهل والإسراف والاختلاس والإهمال والتبذير وأنها تشكو من كثرة النفقات التي سببتها محاولة إدخال مدنية الغرب والتي تترتب على مشروعات لا تجدي نفعاً، وعلى مشروعات نافعة ولكنها تنطوي على الخطأ). بل لقد ذكر كيف في عبارة صريحة:(إن مصر تستطيع أن تدفع ما عليها من الديون إذا أحسنت إدارة البلاد). ولكن للسياسة مطامعها وأغراضها ولها من أجل ذلك أساليبها التي كثيراً ما تسخر مما تواضع عليه أغرار الناس من قواعد الخلق والاستقامة!
لم تستطع مصر أن تفلت من دائنيها فكان لابد من إذعانها لمراقبة مندوبيهم وتألف في مصر (صندوق الدين العام) فكان حكومة صغيرة من الأجانب داخل حكومتها؛ ثم وافق الخديو مكرها على تعيين مراقبين أجنبيين أحدهما إنجليزي للدخل والآخر فرنسي للصرف، وعين تبعا لهذين موظفين من الأجانب برواتب ضخمة؛ وعني الخديو حقا بالإصلاح يومئذ ولكن يد الغدر كانت من ورائه تبعث الارتباك وتنصب الشباك
وقبل الخديو فيما قبل على رغمه تأليف لجنة من الأجانب سميت (لجنة التحقيق العامة) جعل على رأسها دلسيبس ومنحت سلطة واسعة غير محدودة، فما كادت تعمل حتى اصطدمت، وكان اصطدامها في بدء عهدها لسوء حظها بالرجل الذي يتحفز ويتحين الفرصة ليثب.
ومن يكون ذلك الرجل في تلك الأيام العصيبة غير شريف؟
استدعته اللجنة ليمثل أمامها لتستفهمه، فتعاظمه الأمر فأبى. فأصرت اللجنة وقد خشيت على هيبتها ونفوذها، ولكنه خشي هو أيضاً على كرامته وكرامة منصبه فأصر كما أصرت. . . أيمثل شريف أمام لجنة من الأجانب؟ ولما لا تنتقل إليه اللجنة وهو العزيز بنزاهته واستقامته، الكبير بشخصه ومنصبه، العظيم بوطنيته وكرامته؟ إذا فليطلق شريف المنصب غير آسف وقد كان ما أراد فاستقال! وهزت البلاد استقالته بما تنطوي عليه من