المصرية ومضت تنفض عن كاهلها غبار القرون على صورة أروع وأقوى مما تبدي في ثورتها على نابليون وكليبر، ومما ظهر من آمالها ومشيئتها يوم ذهب أبناؤها وعلى رأسهم عمر مكرم والشرقاوي يلبسون محمد على الكرك والقفطان دون أن يرجعوا فيما فعلوا إلى السلطان. . .
تراكمت الديون على مصر حتى أنها لم تكن تقل عن تسعين مليوناً من الجنيهات في عام ١٨٧٥ م. فمن ديون سائرة كانت في ذاتها أبلغ ما نال الخديو من معاني الغبن، إلى ديون ثابتة فيها أوضح معاني الشره وأقبحها من جانب الدائنين، إلى قروض داخلية لجأ إليها (المفتش) ذلك الذي قام على شؤون مصر المالية، فكان في ذاته عبئاً فوق أثقالها التي ناءت بها، ومن تلك القروض الدالة على شدة الارتباك والخلل دينا المقابلة والرزنامة. . .
عندئذ تحركت إنجلترا نحو هدفها، وكانت أولى حركاتها في هذا المضمار شراء نصيب مصر من أسهم القناة، اشتراه دزرائيلي رئيس وزرائها بثمن بخس! ولم يرده عن ذلك عطلة البرلمان يوم إذ. وكيف يفوت دزرائيلي وهو الذي يعرف الفرص ويعرف كيف يقتنصها، كيف يفوت ذلك الداهية أمر كهذا الأمر يجعل مركز بلاده في القناة كمركز فرنسا أو أعظم، ويصحح خطأ وقعت فيه إنجلترا ألا وهو استهانتها بالمشروع أول الأمر ظناً منها أنه لن يتم، ثم تراخيها عن شراء الأسهم بعد ذلك رغبة في إحباطه
ولكن مصر بعد بيع أسهما لا تزال في حاجة إلى المال لتدفع به بعض ما جره عليها المال من وبال. وأنى لها المال بعد ذلك كله؟ وأية دولة تمد إليها يدها؟ إذا فالتفكر مصر في الإصلاح ثم فالتفكر إنجلترا في اصطياد الفريسة!
طلب الخديو موظفاً إنجليزيّاً يدرس لها شؤون مالها ويصلح ما يراه من أوجه الخلل؛ فتلكأت إنجلترا لأنها عن دهاء وجشع تحب أن تتدخل ولكنها لا تحب أن تفتح أعين غيرها
وجاء الموظف ولكنه زود من جانب حكومته بأوامر، فعليه أن يدرس وعليه فوق ذلك أن يحقق ويدقق ثم يرفع تقريراً عما رأى؟ وما لهاذا أراده إسماعيل فما كان يريد والي مصر إلا أن يكون هذا الموظف معيناً له في إصلاح مالية البلاد
ورفع (كيف) التقرير إلى حكومته وجاء دور دزرائيلي فأعلن البرلمان الإنجليزي في غير تردد ولا استحياء أنه يرغب عن نشر التقرير لأن الخديو رجاه في ذلك. ولعمر الحق ما