للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شجاعة شهد له بها حتى خصومه، فهل كان مرد ذلك إلى ما كان من إذعان مصر نفسها واستسلامها؟

يخيل إلى أن ذلك أقرب إلى الصواب. فلقد كان الرأي العام في ذلك الوقت أعني مدى الاثني عشر عاماً الأولى من حكم إسماعيل لا يزال في مرحلة تكوينه، ولذلك لم يكن للشعب نفوذ إلى جانب نفوذ إسماعيل وجاهه، فمجلس شورى النواب الذي أنشأه الوالي والذي أولاه شريف حظاً كبيراً من عنايته ونشاطه، كان لا يملك حق محاسبة الحكومة؛ وكانت البلاد محرومة من الصحافة الوطنية، خالية من الأحزاب السياسية؛ وكان المتعلمون من المصريين منصرفين إلى المناصب الحكومية يتقدمون بالزلفى إلى إسماعيل وحكومته.

ولقد أدى الانتخاب لمجلس الشورى إلى حرمان المجلس من هذا العنصر ولو أنهم أرادوا أن يتجهوا إليه. . .

وعلى ذلك فلو أن شريفاً تحرك حركة قومية في ذلك الوقت لما هزت حركته النفوس، كما راحت تهزها حركاته فيما بعد حين أفاق الرأي العام على تدخل الأجانب في شئون مصر، وحين ظهرت فيه عناصر لم تكن موجودة من قبل، كدعوة جمال الدين التي أومضت في ظلمات ذلك العصر، وكظهور الصحافة واهتمام المتعلمين بقضية البلاد المالية، وغير ذلك من أسباب البعث والنهوض. . .

عندئذ آن لشريف أن يخطو، فكأنما كان قبل خطواته الوطنية في مرحلة الإرهاص، شأنه في ذلك شأن كثير من الزعماء من قبله ومن بعده. وما أعظم الشبه في ذلك بين سعد وشريف! فهذا سعد جبار هذا الوادي وزعيم أبطاله ومفخرة أجياله، ظل في الفترة الأولى من حياته ساكناً لولا ما كان من آثار قلمه ونفثات روحه. فلما سارت الحوادث سيرها، وتهيأت البلاد لانتفاضة تنفس عنها بعض ما بها تلفتت القلوب ودارت الأعين فلم تستقر إلا عليه كأنما ألهمت ذلك إلهاماً؟. . . وإنك لترى من أوجه الشبه غير هذا كثيراً بين سعد وشريف فيما نقص من سيرته

كان لابد للمسألة المالية أن تنتهي إلى من انتهت إليه ما تدخل الأجانب في شؤون مصر الداخلية، ولكن هذا التدخل لم يكن شرا كله كما اعتاد المؤرخون أن يصوروه، وحسبنا مما انطوى عليه من عناصر أن قد استيقظت على ضجيجه وصخبه مصر، فانبعثت القومية

<<  <  ج:
ص:  >  >>