ففي هذه الأوقات التي لم يمكن فيها إجابة طلباتها، أو الصبر على تدليلها إشفاقاً عليها من كثرة البكاء - كان يقول أحد من بالمنزل:(خذوا جميلة إلى الحديقة وأركبوها الحصان - قد يهدئها ذلك) أو يقول آخر في مناسبة أخرى: (خذوها إلى شارع المحطة لترى القاطرة الكبيرة وهي مارة - قد يهدئها ذلك)
وإذا لم تفلح هذه الطرق معها، كان يعطى لها قطعة من الحلوى لكي تهدأ. ولقد استمر هذا النوع من المعالجة، حتى أتى على أفراد الأسرة يوم نضب فيه معين حيلهم مع هذه الطفلة لتهدئتها كلما بكت فمرة من تلك المرات ظلت تبكي وترغي وتزبد مدة طويلة ولم يلتفت إليها أحد. فما كان منها إلا أن نادت بأعلى صوت قائلة:(أعطوا جميلة قطعة من السكر - ذلك قد يهدئني) دهش كل فرد حولها لما حدث منها، وحار الجميع كيف يجاوبونها، وتأملت هي طويلاً ثم قالت:(خذوني إلى الحديقة لأركب الحصان - ذلك قد يهدئني) واستمرت تبكي
هنا وهنا فقط فطن الوالدان وكل أفراد الأسرة للدرس المهم الذي أعطته لهم هذه الحادثة، ونبهتهم إلى تلافي الغلطة التي كانوا يقعون فيها في تربية الطفلة؛ ومن حسن حظها أن غيّر الجميع خطتهم معها تدريجياً، وعدلوا مجاوبتهم لبكائها
من هذا يرى أنه إذا سمح للطفل أن يصير أنانياً، بحيث يطلب كل ما يريد غير ناظر إلى حقوق الغير، فإنه سيبقى طول حياته على خلاف ومنازعات مستمرة مع الناس الآخرين، ويشعر غالباً بأن الناس لا يعدلون في معاملته أبداً. وكثير من الأفراد لا يحصلون على ما يشعرون أنه من حقهم، ذلك لأنهم ينتظرون أكثر مما يستحقون من الحياة، ويتطلبون من الناس أن يتنازلوا لهم ويؤثروهم على أنفسهم بحالات لا يمكن تحقيقها
وهذا هو السّر في سوء حال الشبان الذين لا تقدر على ترويضهم عائلاتهم ولا مدارسهم ويضج منهم المجتمع. والكل يشكون ويتأففون من فساد المجتمع، ولكن ليس الذنب كله ذنب المجتمع، فلو لم توجد عندنا حالات عامة شائعة في بيوتنا المصرية من أشباه التربية الخاطئة، لما سمعنا بحوادث الأولاد الذين يتهجمون على آبائهم بالضرب أو القتل، أو تنكيد حياة الأم لشدة هياج ابنها العصبي وغير ذلك في كل وقت. والحقيقة أن لا عصبية هناك