تسليتك وتلهيتك بالحديث حيناً وبالغناء حيناً آخر؛ تقص عليك كل واحدة منا ما حفظت من أخبار بلادها، وتغنيك كل واحدة منابما تعلمت من الغناء في رطانتها الأعجمية. وكذلك كنت تسمعينأقاصيص سورية وأخرى حبشية وأخرى يونانية. وكنت تسمعين أغاني في لغات أجنبية قليلاً ما تعجبك ولكنها كانت ترسم على ثغرك الابتسام في اكثر الأحيان، أما اليوم فلم نر منك الا حزناً قاتماً، ولم نسمع صوتك العذب، ولم يرعنا الا هذه الدموع التي تسفحينها في صمت أليم. تكلمي يا مولاتي! بيني ماذا تجدين؟ ماذا أحزنك اليوم؟ تكلمي واحسني ظنك بنا، فقد نستطيع أن نعينك على الحزن كما كنا نستطيع أن نبعث في قلبك السرور. نحن إماء ولكننا نساء نجد الحزن كما تجدينه، ونحس اللوعة كما تحسينها. ولعل حبنا للبكاء أشد من حبنا للضحك، ولعل حرصنا على الحزن أشد من رغبتنا في السرور. ولعلنا إن شاركناك في الحزن والألم جارينا طبائعنا، وأرسلنا نفوسنا على سجاياها. فليس في حياتنا وإن كنت لنا مكرمة ما يسر أو يرضي، وأي شيء يسر أو يرضي في حياة الأمة الغربية التي لا تملك نفسها، ولا تحس إلا ذل الرق ولا تستطيع أن ترضى حقاً أو أن تسخط حقاً إلا إذا خلت إلى نفسها، وأنى لها أن تخلو إلى نفسها! تكلمي يا سيدتي ماذا يسوءك وماذا يغشى وجهك بهذا الغشاء الحزين؟ قالت ناصعة ذلك وانتظرت أن تجيبها سمراءولكنها لم تظفر بجواب، وإنما رأت دموعاً تنحدر ثم تنهمر ثم تستحيل إلى زفرات حارة ونحيب غير منقطع، هنالك محا الحزن ما بين السيدة الحرة وإمائها من فروق، فأسرعن إليها يهدئنها ويرفقن بها. هذه تقبلها، وهذه تمسح دمعها، وهذه تمر يدها على رأسها، وهن جميعاً يبكين لهاويبكين لأنفسهن. وقد هدأت سمراء بعض الشيء، وسكنت نفسها الثائرة إلى هؤلاء الإماء الرفيقات فابتسمت لهن في حزن، وشكرت لهن ما أظهرن لها من مودة وعطف، وطلبت إليهن العودة إلى ما كن فيه من عمل، وأخذت هي مغزلها وجعلت تديره في يدها ولكن ناصعة لم تلبث أن عادت إلى الكلام فقالت وهي تتكلف الابتسام وتتصنع الضحك: ليس يغني عنك الصمت يا مولاتي فأنا نعلم ما تسرين كما نعلم ما تعلنين، ولولا خوفنا منك وإكبارنا إياك لقصصنا عليك القصة التي تحزنك وتجري دموعك الحرة على خدك النقي. ولكن أنى لنا أن نبلغ منك هذه المكانة وإنما أنت سيدة ونحن إماء! قالت سمراء كفي عن هذا الحديث يا ناصعة فقد أنسيت اليوم أن بيني وبينكن