تحميه من أنواء البحر الطلق وأمواجه. وعدا هذا تأتي الشاطئ التيارات المائية الدافئة من خط الاستواء من حرارته فتقل نحواً من عشرين درجة عن حرارة أي نقطة من الكرة الأرضية على خط عرضه. ولهذا لا تتجمد البحار النرويجية في الشتاء، فهي تهيئ بقيعانها وطيب جوها مناخاً مستطاباً لقبائل الحوت تنزح إليه لتؤدي في كنف الحب واجب الحياة الأول.
أما مصايد جزيرة نيوفوندلند فأوفقها منطقة تتكون من سلسلة جبال علاها الماء نحواً من ثمانين قامة، قممها تحت الماء من رمل وطين، يرحل إليها الحوت في جماعاته فيجد عندها مسكناً ومستقراً إلى حين. ويزيد في صلاح هذه المنطقة تياران بحريان يلتقيان هنالك، يحملان معهما مقادير لا حصر لها من أحياء متعضونة صغيرة ومن الفطريات، غذاء طيب لا للحوت ولكن لأسماك قشرية وأخرى رخوة يعيش الحوت بدوره عليها.
كذلك لجزيرة أسلن وللبحر الشمالي ميزات من ضحولة واسستار عن هائجات المحيط تجعل الحوت يقصدها.
وتعود السفن بحمولاتها من الحوت، فيشق ويغسل باطنه ثم يملح. وبعد استكمال ملوحته يجفف إما في الشمس إن كانت. وأما في حجرات سخن هواؤها بالفحم، وذلك إلى أن يبلغ درجة من الجفاف معروفة. وقد يجفف بلا تمليح. ثم يصدر هذا القديد، وهو المعروف عندنا بالبكلاه، إلى أوربا الجنوبية ومصر والقارة الأفريقية. أما كبد الحوت فتعالج بالبخار وهي صبيحة فتدر بزيتها المشهور. ولحم الحوت أبيض لذيذ الطعم وهو طازج، سهل الهضم إلا أنه قليل التغذية نسبة إلى غيره وذلك لقلة دسمه، حتى كأنما تركز دسمه في كبده فافتقدته سائر الأعضاء. أما زيته فغذاء طيب كسائر الزيوت ويمتصه الجلد سريعاً فيغذي به الأطفال في بعض الأمراض بدعك بطونهم به. وكشفوا فيه عن فيتمين من الفيتمينات التي تذوب في الدهن فطلبه الطب فغلا ثمنه. والزيت النقي له طعم جميل كطعم الزبدة لا رائحة للسمك فيه، ولكنه سريع العطب بالتأكسد وينشأ عن هذا التأكسد طعمه الكريه، والزيت يتأكسد ولو احتجب عن الهواء لأن به أكسجيناً ذائباً يكفي لإفساد نكهته. والطريقة الحديثة لوقايته من ذلك تتلخص في تفريغ ما فوق الزيت من هواء كائناً ما كان، فينبعث منه كل غاز مذاب، ثم يطلق في الفراغ الحاصل غاز الكربون فيحل في الزيت محل