المسرحي الحق يجب أن يضع نصب عينيه أن يكتب لنا مشاهد للمسرح تطابق قدر المستطاع ما يحدث في الحياة أو يمكن حدوثه فيها حتى لتجيء هذه المشاهد كالصور وخيالها في المرآة أو كالنسخ المتعددة المتطابقة للشيء الواحد. وتكون محاورات أبطال الرواية الأروع والأجمل إذا كانت تنقل لنا نفس الحديث، بل الكلمات والألفاظ للحوار الذي يقع بين الأحياء كما ينقله الحاكي دون نقص أو زيادة، ويكون اجمل ما في الرواية صدقها وأمانتها للحقيقة.
وإذا نظرنا إلى هذه الآراء في مجملها قد نغرى بأن نصدق أن ثمة ما يمكن أن يقال للدفاع عنها أو تأييدها، ولكن لو فكرنا قليلاً لتبين لنا زيفها وخطؤها. وبغض النظر عما إذا كان في مقدور المرء أن يعتبر أن المؤلف المسرحي ليس أكثر من حاكي يسجل ما يسمع وينقله حرفياً إلى المسرح، فإنه من السهل أن نتبين أن هذا المثل الأعلى للدرامة مستحيل لأن الرواية المسرحية لا يمكن أن تكون صورة مطابقة تمام المطابقة للحياة. وحتى إذا فرضنا أن المؤلف في أحد مشاهد روايته نقل نفس الألفاظ التي تحدث بها فعلاً الأشخاص الذين اتخذهم كنماذج لأبطاله، فإن الحقيقة الواقعة من أن هذا المشهد فصل عما سبقه أو تلاه من المشاهد الأخرى تجعله شيئاً صناعياً محضاً، أو بمعنى آخر تكسبه الصبغة الفنية. وإذا لم يستعين لمؤلف بالآلات الميكانيكية المسجلة للأصوات، فإنه لا يستطيع أن يطمع في نقل الحوار الذي دار في الحياة الحقة بألفاظه وحروفه وتفصيلاته نقلاً دقيقاً غاية الدقة لا تحريف فيه. فإذا كان المؤلف هو الذي خلق المشهد وخلق أبطاله، كما يحدث على الأغلب، لكان من السخف أن نتخيل أن هذا المشهد لو أنه حدث حقاً في الحياة، لتحدث هؤلاء الأبطال، لو أنهم أحياء من لحم ودم، بنفس هذه الكلمات ولدار بينهم هذا الحوار دون زيادة أو نقنص. فمطابقة الحياة في الدرامة شيء مستحيل ومطلب عسير فالريالزم الحق لا وجود له، ثم هو بعد ذلك ليس من عمل الفنان، لأنه ليس من الفن. ولم يكن في يوم من الأيام مطمح كبار الكتاب الخالدين بآثارهم المعروفة، ولا المثل الأعلى الذي حاولوا تحقيقه بأعماله وكتاباتهم ونحن إذا أخذنا بهذه النظرية في معناها الحرفي وحدودها الضيقة طرحنا من مكتبة الفن أحسن ما فيها من أعمال رجال الأدب والمسرح وألقينا بمخلفات أشيل وارستفان وشاكسبير وموليير وأندادهم طعمة للنار.