فإذا أردنا أن نتحرر من هذا الحرج وأن نأخذ هذه النظرية، نظرية التقليد أو المحاكاة، بمعنى أوسع وأرحب، كان لنا أن نعود إلى أرسططاليس الذي جعل أساس آرائه أن الفن في مجمله ينطوي على عنصر التقليد، وأظن أننا في غنى أن ندخل في بحث مستفيض في هذا الصدد وحسبنا أن نقول أن أرسططاليس قد ذكر أن التقليد هو أصدق تمثيل للحقيقة إلا في النادر القليل.
ومن المعروف أن النصوص التي وجدت ونسبت إلى الفيلسوف اليوناني القديم والتي يتحدث فيها عن فن التراجيديا والشعر القصصي اتخذت مرجعاً لرجال الفن ونقاده في شتى العصور وكانت لها مكانة القداسة في عصر النهضة وأطال مناقشتها وبحثها كثير من النقاد في العصر الحديث. ومن الخير أن نلم بهذا كله قدر المستطاع وهو ما سنحاوله في القريب العاجل إن شاء الله.
ونعود إلى بحثنا لنكرر ما قلناه في أسطر سلفت من أن نظرية التقليد وجدت في العصور الحديثة مشايعين وأنصاراً ولكن في معناها الشامل الرحب، وهناك فيكتور هوجو الذي قال في المقدمة التي وضعها لرواية كرمويل (لقد قيل إن الدرامة مرآة تنعكس فيها الطبيعة. ولكن إذا كانت هذه المرآة عادية، مسطحة لامعة، فإنها لا تقدم لنا إلا صورة ضئيلة للأشياء التي تعكسها دون أن تبرزها، صورة صادقة ولكن لا روح فيها، ومن المعروف أن اللون والضوء ينعدمان في الانعكاس البسيط. فالدرامة على ذلك يجب أن تكون مرآة تتركز فيها المرئيات، وبدلاً من أن تضعفها تجمع الأشعة وتكثفها وتطغى عليها قوة التركيز فتجعل من القبس شعاعاً، ومن الشعاع لهيباً وهاجاً، وبهذا وحده تستحق الدرامة أن تكون فناً له خطره وقيمته).
وهذه العبارة في وضوحها وقوتها لها أهميتها الكبرى فيما نحن بصدده، وتتمشى معها كلمة سارسيه من أكبر نقاد المسرح الفرنسي إذ (يقول إن الطبيعة المجردة على المسرح لا تثير اهتمام الجمهور بل تبدو له فضلاً عن ذلك مزيفة كاذبة). ويضيف (في رأيي أن الحقيقة إذا أظهرت على المسرح بصدق وأمانة بدت مزيفة للجمع الحاشد من المتفرجين. إننا نعد فن الدرامة الخلاصة التي تمثل الحياة على المسرح ونعطي الجمهور عن طريقها خيال الحق).
وقد لمس بعض النقاد في عصور متقدمة هذه الحقيقة ولكن في صورة غامضة مبهمة