(وحقيقة الأمر أن أخلاق الإنسان ليست شيئاً يتم دفعة واحدة، وليس لها حد تقف عنده، إنما هي في تحليل وتركيب، في تكوين مستمر يعتريها الانحلال زمناً وتعود بعده إلى التماسك) بل هو قد استطاع أن يقيم معياراً صحيحاً يقيس به رغبات الرجال ونزعاتهم. ولسنا ندرى هل كان يتنبأ بكشوف علم النفس الحديث حين قال:(إن الإنسان أسير الشهوات ما دام حياً. وإنما تختلف شهواته باختلاف سنة: فشهوة اللعب عند الطفل، وشهوة الحب عند الشاب، وشهوة الطمع عند رجل الأربعين. وشهوة السلطة عند شيخ الستين، جميعها شهوات تعرض صاحبها للهفوات واقتراف الخطايا)
وقد كان قاضياً، على أنه كان ينظر إلى نفس المجرم نظرة دارسة أخرى. كان يرى أن المجرم مسير أكثر مما يكون مخيراً، وأنه (لابد أن تكون الغاية النهائية للتربية الأدبية هي العفو عن الخطيئة - العفو عن أكبر خطيئة، العفو عن كل خطيئة)
(هل المخطئ مسئول أو غير مسئول؟ وما هي درجة مسئوليته؟ مسألة عظيمة يجب على من يريد الحكم على غيره أن يحلها. لكن حلها يكاد يكون محالاً، إذ لا يستطيع أحد أن يلم بجميع العوامل التي تتركب منها الذات الإنسانية بوجهيها الأدبي والمادي، والقليل الذي يعلمه من ذلك يبين أن سلطة الإرادة على النفس محدودة وخاضعة لمؤثرات كثيرة شديدة تنازعها وتقارعها وتضعف قوتها على نسبة مجهولة ومقدار لا يصل إلى تقديره عقلنا. وكل تاريخ الإنسان في الماضي يدل على أنه لم يكن متولداً عن الحيوان المفترس مباشرة، فهو مشابه له في شره وأطماعه وشهواته. خلق عليل النفس كما هو مريض الجسم. خلق على أن تكون صحته الجسمية والعقلية صدفة سعيدة وعارضاً مؤقتاً)
(فالخطيئة هي الشيء المعتاد الذي لا محل للاستغراب منه. تركه آدم وحواء لأولادهما التعساء من يوم أن اقتربا من الشجرة المحرومة. . . من ذلك اليوم البعيد لوثت الخطيئة طبيعتهما، وانتقلت منهما إلى ذريتها جيلاً بعد جيل. وذلك هو الحمل الثقيل الذي تئن تحته أرواحنا الملتهبة شوقاً إلى الفضيلة. . .)
(وأخيراً، فإن العفو هو الوسيلة الوحيدة التي ربما تنفع لإصلاح المذنب، فقلما توجد طبيعة مهما كانت يابسة لا يمكن أن تلين إذا هي عولجت)