للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أن أبطال طروادة يمتون هم أيضاً بوشائج النسب إلى بعض الآلهة. فبريام وأبناؤه التسعة (هكتور وباريس. . . الخ) ينحدرون من أسلاف أجاكس (دردانوس)

وفي كثير من كتب الإلياذة مفاخرات عجيبة بالأنساب بين أبطال اليونان وأبطال طروادة، إذا يرد الطرفان أصولهما إلى الآلهة (اقرأ المفاخرة الجميلة بين أخيل وبين إيناس - إلياذة - الكتاب العشرون)

بيد أن أبطال اليونان في الإلياذة يبدون أكثر اقتراباً إلى الآلهة وأشد اتصالاً بهم مما تبدو العناصر المكونة لجيش طروادة

وكذلك الحال بين آلهة الأولمب، فأكثرهم يعطفون على اليونانيين ويناضلون عنهم، ويُسْدون لهم أحسن الجميل فيما تقتضيه معاركهم من تيسير وترشيد

أما طروادة، فيعطف عليها أبوللو، وتنحاز إلى صفوفها فينوس. . . أليس باريس قد قضى بالتفاحة لها من دون هيرا وميزفا؟

لذلك تكاد تكون حرب الإلياذة قائمة بين قبيلتين متفاوتين في الطبائع، فأحدهما أقرب إلى الآلهة منه إلى الناس، والآخر أقرب إلى الناس منه إلى الآلهة، وفي ذلك ما فيه من ميل هوميروس الذي يبدو هواه مع اليونانيين في الإلياذة التي نملكها، والتي هي من تمحيص اليونانيين من أهل أثينا والإسكندرية

على أن هذا الميل لم يكن حاداً أو مبالغاً فيه كما هي الحال في القصص الشرقي الذي خلفته لنا عصور البطولة ومن نحو قصة عنترة أو أبي زيد أو سيف بن ذي يزن، فالغالب في هذه القصص أن يطبع الراوي سامعيه بطابع خاص، فيجعل هواهم في جهة واحدة بحيث يطربون أبلغ الطرب وأشده إذا جال عنترة جولة فأطاح برؤوس مائة أو مائتين أو ألف أو ألفين. أو إذا انهزم الزناتي أمام أبي زيد. . . لا. . . لم يفعل هوميروس كما فعل هؤلاء، فهو بالرغم مما جعل لأبطال الإغريق من شرف النسب وكرم الحسب، وبالرغم مما أنهى به الإلياذة من فتح طروادة وإشعال النيران فيها وقتل أبطالها البارزين إلا أنه قد خصهم بنوع عجيب من البطولة يرفعهم درجات فوق الأبطال الإغريق. وذلك أنه جعلهم أناساً، وجردهم في المعمعة من هذه الحضانة الربانية التي خلعها على أخيل وغير أخيل، ومع ذلك فقد صبروا وصابروا ولقوا جموع اليونانيين بمثل الشجاعة التي لقيهم اليونانيين

<<  <  ج:
ص:  >  >>