للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان جيش من لاعبي الكرة لا يتجاوز الخمسين شاباً فعل هذا كله، فكيف لو جاء الجيش العربي جيش المستقبل؟ وسألت الطلاب في الامتحان هذا السؤال الأزلي: ماذا يريد أحدهم أن يكون؟ فكان جواب الأكثرين أنهم يريدون أن يكونوا جنوداً، مشاة وركباناً، وبحارة وطيارين، يدافعون عن أمتهم ويذبون عنها كل طاغية أو جبار ينبع من الأرض أو يهبط من السماء. . . ورأيت أثر الروح العسكرية واضحاً في الطلاب، فالطاعة من غير استخذاء، والحرية من غير تمرد، والنظام من غير جمود. تلك هي صفات طلاب العراق. وإن في مدرستنا العربية لثلاثمائة طالب، والمدرسة سائرة سير الساعة المتقنة وليس في إدارتها إلا مدير ومعاون، مع أن مثل هذا العدد يحتاج في دمشق إلى عشرة ضباط (معيدين) ثم لا تكون المدرسة كالساعة، وإنما تكون كالبركان الذي يهدد كل لحظة بالانفجار. فيا ليت شباب دمشق يعرفون الروح العسكرية، كما عرفها أشقائهم شباب العراق

لبثنا ننظر إلى الضحوة الكبرى، والناس لا يزدادون إلا تدفقاً، فكأنهم سيول تصب في هذا الخضم العظيم، والشارع يموج بالناس موجاً، ويزخر بالخلائق، وكلهم يتطلع وينتظر، وكلهم يسأل متى يأتي الموكب، وعمال الشركة الأمريكية للسينما ماثلون بآلاتهم في الشرفات والزوايا، ليصوروا معالم الحياة في بغداد. . .

وإن البحر ليموج ويزخر، وإن أمواجه لتصخب وتضطرب، وإذا بالمعجزة قد وقعت فانشق كما انشق البحر لموسى، وانفتح الطريق، فنظر الناس ونظرنا فإذا الأعلام العربية تلوح بألوانها الأربعة التي تجمع شعار دول الإسلام كلها بأميتها وهاشمها وعباسها وترمز لفضائل العرب كلها:

بيض صحائفنا سود وقائعنا ... خضر مرابعنا حمر مواضينا

وإذا الموكب قد لاح من بعيد، كما يلوح الهلال الهادي، للقائد الآيس ويسطع نجم الأمل في ظلمة القنوط، وإذا موسيقاه القوية تدوي في الآذان، فيكون لها أثر في النفوس أحلى من نداء الحبيبة في نفس المحب المشوق، فحبس الناس الكلمات ووقفوا الأنفاس، يتطلعون ويترقبون، والموسيقى تعلو والفتيان يتقدمون حتى وصلت طليعتهم. . . فما استطاع ذو شعور إمساك دموع الفرح والرقة والتأثر أن تسيل، وارتجت الأرض بالتصفيق والهتاف، كما ارتجت من قبل بهذه الموسيقى القوية المحبوبة، وهذا النشيد الذي يسمع من خلاله

<<  <  ج:
ص:  >  >>