وقول الآخر:
مخبأة أمَّا إذا الليل جَنّها ... فتخفى وأما بالنهار فتظهر
وقد انشقَّ عنها ساطع الفجر فانجلى ... دجى الليل وإنجاب الحجاب المستّر
والْبِس عُرض الأفق لوناً كأنه ... على الأفق الشرقيّ ثوب معصفر. الخ
وقول ابن الرومي:
إذا رنْقت شمسُ الأصيل ونفَّضت ... على الأفق الغربيّ ورسا مُذعذَعا
وودْعت الدنيا لتقضيَ نحبها ... وشول باقي عمرها وتشعشعا
ولاحظت النُّوار وهي مريضة ... وقد وضعت خدَّا على الأرض اضرعا. الخ
الفلكي يصف حوادث لا صلة لها بقلب الإنسان وخياله. والشعراء يصفون شعر الإنسان بفنائه على مر الزمان، ويتخيلون في طلوع الشمس وغروبها صوراً تخلع على الشمس شعور الإنسان وعاطفته.
تمثل نفسك تقرأ نظرية هندسية أو معادلة جبرية ثم تمثلها تقرأ قصيدة لشاعر نابغة أو خطبة لخطيب عظيم؛ إنك حين تقرأ الهندسة أو الجبر لا تفرح ولا تحزن، ولا تغضب ولا ترضى، ولا تخاف ولا تأمن، ولا تضحك ولا تبكي. ولكنك حين تقرأ القصيدة أو الخطبة لا تخلو نفسك من بعض هذه المعاني أو ما يشبهما.
وإذا قال طبيب: (إن مرض كذا منتشر في كل بلد) فهذا خبر لا يعبر عن شيء من عوطف الطبيب بل يخبر عما هو كائن، ولكن أبا العلاء المعري حين قال:
ما خص مصراً وبأوحدها ... بل كائن في كل أرض وبأ
أنبأنا اللب بلقيا الردى ... فالغوث من صحة ذاك النبأ
أراد أن يبين عما يحيط بالإنسان من الآفات ويعرب عن خوف الإنسان وحزنه في هذه الحياة، وإنما ذكر عموم الوباء وسيلة إلى الإبانة عن آلامه ومخاوفه
وهكذا يستطيع الناظر في هذا الموضوع أن يوالي الأمثلة في غير عسر.
كل ما أبان عن عاطفة أو خيال صلح أن يكون موضوع للأدب؛ وهو مادة الأديب يؤلف منها أدبه. ولكن من هذا البيان ما هو شائع بين الناس يشترك فيه الخاصة والعامة والصغار والكبار، فهذا لا يعد في الأدب وإن اتصل بالعاطفة والخيال؛ فلابد من سمو