جميعاً أن يمدوا ألسنتهم؛ ولكن لا يلبث الشاعر الحلمنتيشي أن يضع يده على رؤوس القوم وأن يجرفهم بتياره الزاخر، حتى يقول كل منهم لصاحبه:
انج سعد فقد هلك سعيد.
وقد يبتدئ القوم حديثهم في شيء يهمهم، أو في مشكلة تعينهم، ولكنهم سرعان ما يخلعون عليه ثوب الأدب ويجعلونه حديث السمر.
فهذا الشاعر الأسمر قد جاء في أمسية يشكو إلى إخوانه أمر ساعة أهدها إليه صاحبه الهراوي فأتعبته وصارت تمشي كما يقول الأسمر تارة (عربي) وتارة. (إفرنجي) وتارة لا عربي ولا إفرنجي أما الدكتور حسين الهراوي فتناولها ثم جس نبضها وقال:
هذه (عندها ضغط دق) وهي (تحتاج إلى الراحة التامة).
وأما الدكتور زكي مبارك فنظر إليها ثم اندفع ينشد:
واها لبعض الهدايا ... بعض الهدايا رزايا
ساعات باريس عندي ... لها جميع المزايا
تدق دقاً لطيفاً ... كمثل همس مُنايا
وساعة الهراوي ... أولى ببعض التكايا
تدق دقاً عنيفاً ... كما تدور رحايا
وأراد أن يسترسل في إنشاده فهدده الهراوي بإهداء (منبه) إليه، فامسك وجبن
وأما الأستاذ حسين شفيق المصري فقال: (دي ساعة دايرة على كيفها) و (ماشيه مشى مسخرة) و (قلبها فاضي) و (عاوزة بوليس يضبطها) و (الساعاتي لما يشوفها قلبه يدق) و (أنها الساعة التي هي أدهى وأمر. . .)
وكان مجلس طيب لم يسع الهراوي نفسه إلا أن يسجله بالشعر فقال:
وساعة أهديتها ... إلى الأديب الأسمر
حسبتها في مخبر ... كما لها من مظهر
فظرفها من معدن ... مرقش منمّر
فمن بياض فضة ... إلى سواد عنبر
وعقربا مينائها ... من النضار الأصفر