مايو القادم لتعودوا على رأس هذه الجيوش إلى أسبانيا لتثل بها عرش هذا الشيخ الذي لم يتورع الليلة عن الزواج بطفلة في سن حفيدته
- وحمل الدون كارلوس آماله وأحلامه، ومضى بها إلى حديقة القصر الملكي يرسل بين الحين والحين صفيراً خافتاً حتى عثر بين الخمائل على دوحة استذرى بها حتى لا يناله برد الليل إن غلبه النوم تحتها
وتسربت خيوط الفجر من ثوب الليل، ولما يغمض لعروس الملك جفن، وتشعر الفتاة لرؤية عريسها الشيخ الذي يغط إلى جانبها بهم يجثم على روحها، فتتسلل مارقة إلى حديقة القصر الملكي، وتسير بين رياضه على غير هدى. . .
سارت بين الخمائل تناجي النجوم وقلبها الغض يخفق في عالم مجهول. ثم أفلتت منها صرخة خافتة إذ رأت أمامها شاباً كأنما قد تثاءبت عنه الأرض
- ترى بعثت روعة هذا الفجر في نفسك الاكتئاب أيها الشاب؟
- وي. . . من أنت. . . ومن أي فردوس فررت يا فتاة؟
فيشرق الابتسام على ثغر الفتاة وتقول للشاب الماثل أمامها في سذاجة الطفولة ومرحها:
- الملكة. . . ومن أنت؟ فيقف الدون كارلوس في تؤدة ويشخص ببصره إلى الصبية يعبث الهواء بشفوف نومها فيبرز الصغيران، ويظهر تقاسيم وجهها الفتان، ويتمتم الشاب في خفوت:
- عروس أبي. . . أقصد الملك. . . وإلى أين؟
- إلى الفجر وسحره
ويأسى الأمير لهذا الجمال الذي سيذوق في ظل والده الشيخ ويدرك من حديثها نقاء سريرتها فيدرج بها على العشب النضير هْوناً. . . يتسامران فتجرده من قلبه ولبه، ويأخذها بشبابه وحبه، ويبدو لها وجه الشيخ بلحيته المرسلة كأنه شيطان مريد، وتنظر إلى ولي عهده فتدخل من عينيه الجميلتين إلى جنة الحب، ويخفق له قلبها الغض المتعطش إلى الغرام. . .
وفي غفلة من الدهر كانا يختلسان اللقاء على الربى وبين الخمائل، فهي لا تعرف السعادة إلا في قلب الفتى الحبيب، وهو قد تدله بها فلا يعدل بقبلاتها المسكرة ما في بطون الأرض