وينظر الملك إلى طول لبثها في الحديقة فيرتاب ويحوطها بعيونه فتنتقل إليه الأخبار. . .
وعلى إحدى الربى وقف الملك مستتراً يرى العاشقين الصغيرين وكيف ينهلان السعادة ويستمتع إلى وسوسة قبلاتهما الناعمة فيحرق الأرم ويستجمع ما تبخر من صبره ويولي عنهما هامساً بينه وبين نفسه:
- ليكن هذا بينهما لقاء الوداع ويتأوه من أعماق نفسه ويهتف:
أما وقد بليت أيضاً بحبها فستعيش هذه الفتاة لأن قلبي يريد لها الحياة. . . أما هذا الوغد. . . وهدد بقبضته في الهواء ومضى لسبيله في طريق القصر
وراح ولي العهد يستعرض أصدقاءه ليختار من بينهم من يمده بخيل يرحل عليها خفية إلى الحدود، فيقع اختياره على مدير البريد. . .
ويشفق مدير البريد أن ينكشف أمره فتناله يد الملك، فينقل إليه رغبة الأمير. . .
ويأمر الملك بالقبض على ولده وإيداعه السجن، فتضبط أسلحته ونقوده وأوراقه التي دلت على مشروع محاولة استيلائه على الأراضي السفلى ودحر الملك ثم الجلوس على عرش أسبانيا. فأبلغ الملك الحادث إلى الجهات الكبرى وانتدب محكمة عليا برياسته المحاكمة ولده
كان سجن الأمير غراماً على نفس الملكة فطوت جوانحها على حرق حبه، وأضحت ذاهلة وانية ترى القصر كأنه قطعة من الجحيم، وعزفت عن الطعام حتى رق جلدها وشحب لونها ولقد تتحامل على نفسها التطوف بمجالس غرامها وأعشاش حبها تدب في رفق كأنما قد حطمت قواها السنون، فإذا جلست في مكان ضمهما يوماً خيل إليها أنه إلى جانبها يضمها ويحنو عليها فتخشى أن يكون ذلك وهماً فتتحسسه بيديها فلا تقع على شيء فتقف فزعة وتحوم حول نفسها وتسقط صارخة:
- يا كارل. . .
فتردد جوانب القصر صيحتها:
- يا كارل. . .
وكان صفاء عينيها الجميلتين وتدلهما ينمان عما تكابده من حر الحب وبالغ الوجد
وينظر الملك إليها فيراها متلفة آيسة وقد أطفأ الحزن بريق عينيها فين هدم لها قلبه انهداما