وفي هدأة الفجر تسللت عروس الليل على أطراف قدميها وقلبها يخفق ويدها عليه. . . حتى إذا ما اجتازت الباب السري ركبت عربة كانت تنتظرها خارج القصر وانطلقت بها في مسارب الوادي لتنقلها خفية إلى سجن الحبيب
وما اقتربت الملكة من باب السجن حتى تخلى عنه حراسة، فطوقت سلالم القبو أربعاً أربعاً. . .
وألفت حبيبها الموموق مكباً على نضد عتيق وقد سقط رأسه الجميل على صدره تتناوبه فورات اليأس والحمى؛ فلما رأى الملكة انتعشت نفسه وصاح: إيزا
- كارل
وألقت نفسها بين أحضانه وأهوت بقبلاتها على فمه وشعر الدون كارلوس بأنه في حاجة إلى الحياة عن ذي قبل وأحس أن قوة هرقل قد حلت فيه وأن قوى العالم لن تستطيع إفلاتها من بين يديه ولو تكالبت عليه جميعاً وكان بعضهم لبعض ظهيراً
ولم يخف افترار ثغرة عن عين طفلة الحبيبة ما رسمه الأسى على وجهه وما يلاقيه في غياهب سجنه. فانتشرت نفسها عليه رقة ورحمة وأرسلت من عينيها عبرات حرارا. . .
قال الدون كارلوس:
- لم البكاء يا إيزا وهو يتلف عينيك؟
- ومن أحرى منى بطول البكاء؟
- أنا. . . لهول ما أفكر فيك ولفرط ما عاث الحب في قلبي وأماتني حياً لبعدك بينا يحيا هذا العجوز الحيزبون بين أعطافك ناعماً بجمالك مخفرجاً في ظلك؟
ففاظت عيناها بالدمع فحبس عبراته وكبت عاطفته، ولم تشأ أن تخبره بوعد الملك لها بتبرئته لعدم ثقتها بتنفيذ هذا الود وخشية أن يظن الدون كارلوس أنها خدعته إذا ما حنث الملك بوعده حتى إذا أشرقت غرة الصبح انتزعت نفسها من بين أحضانه وعادت إلى القصر تتأوه قلبها المعذب المفؤود
سيق الأمير إلى قاعة المحاكمة وقد بدا على وجهه الساهم علائم العناء.