فلما رآه الملك عبس في وجهه وبسر. وأخذت عينا الملكة الجميلتان ترسلان الدمع مدرارا فتنضو عن صدرها الجميل ثوبها لتخفيه فيه وتقدم الدون كارلوس تنوء قدماه بحمل جسمه الواني حتى انتهى إلى مقعد أعدله فجلس عليه وأخذ يردد الطرف بين الملك حيناً وأعضاء المحكمة أحياناً فيرى على وجوههم مسحة الجد والاهتمام.
وقطع الملك رهبة السكون حيث أمر بابتداء المحاكمة فوقف المدعي (البرنس إيفولي) وألقى بياناً مسهباً عن محاولة الدون كارلوس الاعتداء على الذات الملكية بوضعه مشروعاً لاغتيال أبيه ومحاولته انتزاع الأراضي السفلى، واختتم بيانه بطلب إعدامه فتحرك الملك في مقعده قليلاً وقال بصوت هادئ:
- ألديك ما تقوله يا كارلوس؟
فنهض الدون كارلوس متثاقلا وقال بثبات:
إنني لا آنس في وجه أحدكم رأفته ولا رحمة، وكلكم كشقي مقص الفناء، كل يتمم للأخر مهمة القضاء عليّ؛ بيد أنني أود أن أتلقى حكم إعدامي من شفتين غير شفتيك، فهل لي أن أرجو المحكمة أن تنطق مليكتي بهذا الحكم؟
فرد المدعي قائلاً:
- ولكن الملك رأس الدولة ورئيس المحكمة فهتف الدون كارلوس:
- والملكة جسم الدولة فهل تعيش رأس بلا جسم؟ فاشتد غضب الملك وموجدته على ولده وتهامس قليلاً مع الأعضاء، ثم اعتدل في جلسته ونطق بالحكم
ودوى حكم إعدامه في أذن الملكة كهزيم الرعد فاستهولته وهبت عجلانة إلى الدون كارلوس فاحتضنته وأخذت ترسل من عينيها إلى الملك شرراً كالقصر وهتفت صاخبة:
- ألا أيها العجوز الحانث بوعده. . لن تناله بأذى حتى تمر على جثتي. . . فلتأت أنت وحرسك وجندك فإني لكم وصمت الملك قليلاً ثم قال:
- انظروا كيف تدافع الملكة عن عشيقها الفاجر. . . وأشار إلى جنوده فانتزعوه منها حتى إذا بلغوا به السجن ألقوه فيه في انتظار تنفيذ الحكم
وانصرف أعضاء المحاكمة تاركين الملك والملكة وحدهما فجثت إيزا تحت قدميه جثو الراهب في محرابه وأخذت تستعطفه في ذلة وانكسار أن يرد على ولده حياته وأن يقف