قلت:(كنت أحسبك ذكيّاً ولبيباً، فإن هذا هو حل المشكل. بهذه العقلية التي جعلتك تسلم بإن قال أصلها قَوَل، فُتح ما قبلها فانقلبت ألفاً، يجب أن تخاطب الطلبة. فاذهب وقل لهم إن أصلها وإن حرف العلة فتح ما قبله فانقلب فسترى أن هذا يسرهم ويكفيهم، وستجد أنك استرحت بعد ذلك من كل عناء)
فصاح بي:(ولكن هذا غير معقول)
قلت:(إنه معقول كقولك إن قال أصلها قَوَل وأن الواو فُتح ما قبلها إلى آخر هذا الهراء. ولا تحتقر تلاميذك حين تراهم يصدقون أن أصلها وأن حرف العلة فُتح ما قبله إلى آخر هذا الهراء، أو حين يتوهمون أنهم فهموا. فلست خَيراً منهم، وما أكثر ما يتوهم الإنسان أنه فاهم، وهو غير فاهم شيئاً. اذهب وافعل ما أشير به وأخبرني بالنتيجة، وإن كنت أعرفها من الآن كلها. لن تقول لي بعد الآن إنك أخفقت، وإنك ستطلب من الوزارة النقل إلى مدرسة أخرى)
وقد كان، وسكنت الثورتان: ثورة الطلبة على المدرس، وثورة المدرس على نفسه.
وهذا استطراد بدأت به، أما ما كان العزم أن أقوله فهو أن هذا الصديق المدرس سألني يوماً وقد علم أني رُزقت طفلاً:(حدثني عنه. صف لي كيف تحبه!)
قلت:(لا أعلم أني أحبه)
قال:(لا تتكلف الفلسفة)
قلت:(الحقيقة أني حائر، لا أشعر بأية عاطفة، ولا أحس أن لي به سروراً كذلك الذي أسمع وأقرأ أن الأدباء يحسونه بنيهم؛ وإني لمستغرب)
قال:(أتتكلم جاداً؟)
قلت:(إني جاد جداً. وثق أني حائر)
قال:(لعل العاطفة راقدة، وعسى أن تكون محتاجة إلى ما يوقضها وينبهها)
قلت:(عسى)
وانتقلنا إلى حديث آخر، ومضت الأيام وماتت البنت - فقد كانت بنتاً - فلم أرني حزنت