للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العنان فيه وخلع الحياء، وأتى بأشد مما جاء به كل الشعراء. فلا الحطيئة ولا الأخطل ولا جرير يدانيه في الهجاء، وهو مع ذلك أحياناً يخلط الهجاء بالحكمة والمثل كما في قوله:

توَقىِّ الداء خيرٌ من تصدِّ ... لإيسره وإن قرب الطبيب

وكما في الأبيات المشهورة التي يقول فيها:

رأيت الدهر يرفع كل وغد ... ويخفض كل ذي شِيَم شريفهْ

كمثل البحر يغرق فيه حي ... ولا ينفكُّ تطفو فيه جِيفهْ

أو الميزان يخفض كل وافٍ ... ويرفع كل ذي زنةٍ خفيفهْ

فترى أنه مُغْريً دائماً بتتبع الصور وبالتصوير سواء أكان ذلك في مدحه أو ذمه. وتظهر مقدرته على التصوير أعظم ظهور في وصف الأزهار أو الأنهار أو الأشجار أو القفار أو الرياح أو السماء أو السحاب أو الفواكه أو الروائح أو المأكولات، وله في كل هذه الأشياء أشعار كثيرة. أنظر إلى وصفه للنسيم:

وشمائل باردة النسيم ... تشفي حزازات القلوب الهِيْم

كأنها من جنة النعيم

وقوله في وصف الأرض والمطر:

أصبحت الدنيا تروق من نظرْ ... بمنظر فيه جلاء للبَصَرْ

أثنت على الأرض بآلاء المطر ... فالأرض في روض كأفواف الحبر

نَيِّرَةَ النوار زهراء الزَّهَرْ ... تَبَرَّجَتْ بعد حياء وخَفَرْ

تَبَرُّجَ الأنثى تصدت للذكر

ويقول في غروب الشمس:

كأن خُبوَّ الشمس ثم غروبها ... وقد جعلت في مجنح الليل تمرض

تخاوُص عينٍ مس أجفانها الكرى ... يُرَنِّقُ فيها النوم ثم تُغَمِّضُ

ومن بدائعه القصيدة التي يقول فيها (حيتك عنا شمال طاف طائفها) والتي يقول فيها: (ورياضٌ تخَايَلُ الأرض فيها) والتي يصف فيها النرجس والورد في قوله (للنرجس الفضل المبين لأنه) والأخرى التي يصف فيها فواكه أيلول ويقول: إنه لولاها لزهد في الحياة. وله القصيدة البديعة التي يصف فيها غروب الشمس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>