وقدر نَّقَت شمس الأصيل ونفَّضت ... على الأفق الغربيِّ ورسا مذعذعا
وفيها يتخيل أن الشمس تودع النبات ويودعها النبات وكأن كلا منهما يحس لوعة الفراق. ويخيل إلى أنه لو كان نقاشاً لرسم ونقش صورة مملوءة بالحياة كأبدع ما صنع المصورون في معنى هذه القصيدة، ولكن ما أحسب أن مصوراً يأتي بأحسن مما جاء به في الشعر، وله وصف العنب الأبيض الذي يقول فيه:
لم يُبْق منه وَهَجُ الحرور ... إلا ضياءً في ظروف نور
وله في وصف الخمر:
لطفت فقد كادت تكون مُشاعَةً ... في الجو مثل شعاعها ونسيمها
وأمثال هذا الوصف كثير في شعره. وهو مصور أيضاً في غزله. أنظر إلى وصفه محاسن النساء في قصيدة (أجنت لك الورد أغصان وكثبان) ووصفه الجمال والغناء في قصيدته الدالية في وحيد المغنية وهي التي يقول فيها: (يا خيلليَّ تَيَّمَتْني وحيد) وكأنما هو فيها يُصورُ الألحان كما يصور الوجوه الحسان. ومن بدائعه في الغزل قوله:(وحديثها السحر الحلال لو انه) وقوله: (لو كنتَ يوم الفراق حاضرنا) وقوله: (لا تكثرنَّ ملامة العشاقِ) وقوله: (وفيك أحسن ما تسمو النفوس له) وقوله: (شفيعك من قلبي شفيعٌ مُشَفَّعُ). وله غزل كله شهوة، وله مجون شنيع، وكان يفتخر بالقدرة الجثمانية على الملذات. وهذا كله لا يليق نشره ولكن له مع ذلك غزلاً وجدانياً رقيقاً، فهو قد جمع الأطراف لأنه كان مرهف الإحساس كما كان مرهف الحواس وتراه يجمع الوجدان والتصوير في قوله في حب الوطن:
بَلدٌ صحبتُ به الشبيبة والصِّبا ... ولبست فيه العيش وهو جديد
فإذا تمثَّل في الضمير رأيته ... وعليه أفنان الشباب تميد
فهنا أيضاً نزعة التصوير غالبة عليه في البيت الثاني. وله أشعار أخرى في حب الوطن، ولا غرو فإنه كان يمقت الأسفار. ومن رأيي أن تحسُّرَ ابن الرومي على ذهاب الشباب ليس له مثيل في شعر الشعراء وإن كانوا قد أكثروا في هذا الموضوع. وأحسن قصائده فيه قصيدته التي يقول فيها (كفى بالشيب من ناهٍ مطاعٍ) ومن أبياته فيها، وقد غلبت عليه