النزعة إلى التصوير في هذه الأبيات:
يُذَكِّرُِني الشبابَ جنانُ عدن ... على جنبات أنهار عِذَابِ
تفيء ظلها نفحات ريح ... تهز متون أغصان رطاب
إذا مَاسَت ذوائبها تداعت ... بواكي الطير فيها بانتحاب
يذكرني الشباب وميض برق ... وسجع حمامة وحنين ناب
وكانت أيكتي لِيَدِ اجتناء ... فصارت بعده ليد احتطاب
وهو لا يكتفي بما يكتفي به غيره من جعل الحياة بعد الشباب كالموت بل يقول إنها عذاب. وله قصائد أخرى في التحسر على الشباب منها قصيدة (دَابَرَ أوطارَهُ إلى الذِكَر) و (خليليَّ ما بعد الشباب رزية) و (لا تَلْحَ مَنْ يبكي شبيبته) و (أيام استقبل المنظور مبتهجاً) وقوله:
اكتهلتْ همتي فأصبحتُ لا أب ... هج بالشيء كنتُ أبهج بِهْ
وحَسْبُ من عاش من خلوقتِه ... خلوقة تعتريه في أَرَبِهْ
وهذا الرجل المنهوم بمحاسن الحياة ولذاتها، المولع بوصف مباهجها وفتنها وأطايبها، له حالات إذا وصف فيها الزهد أتى بالقول المؤثر، كما في قصيدته في وصف الزُّهَّادِ، وهي قد جمعت أيضاً بين التصوير والوجدان، وهي التي يقول فيها:
تَتَجافَى جنوبهم ... عن وطئ المضاجعِ
ولكن الجمع بين التهافت على الملاذ في وقت من أوقات الحياة وشدة الشعور الديني في وقت آخر أمر مشهود؛ وقد يتردد صاحبهما بينهما مرات عديدة.
وقصائد ابن الرومي في الإخوان والعتاب متنوعة الأغراض والمعاني والأنغام والصور. وأشهرها قصيدة: (يا أخي أين ريع ذاك اللقاء) وفيها يتخيل مناظرة ونقاشاً طويلاً بينه وبين هنات صاحبه، وهي بارعة في التصوير والتفكير؛ ولكن له من القصائد ما هو أكثر وجداناً وعاطفة، وله مقطوعات موسيقية كقوله:
طلبتُ لديكم بالعتاب زيادة ... وعطفاً فأعتبتم بإحدى البوائق
فكنتُ كمستسْقٍ سماءً مخيلة ... حياً فأصابته بإحدى الصواعق
وقوله:
عدوك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثرنَّ من الصحاب