قد يكون وقد لا يكون، فإن كان إنسان - كما قال سمرست موام - القصصي الإنجليزي في كتاب (الخلاصة) تخطر على خاطره خواطر السوء حتى على بال القديسين المطهرين الذين كانوا يشكون في نقاوتهم وطهارتهم بالرغم من أنهم كانوا لا يفعلون ما يدعو إلى هذا الشك؛ وذوو الفنون، بسبب النزعة الفنية إلى تصوير أنفسهم والتعبير عن خوالجها، قد يعجزون عن كتم هذه الخواطر التي يكتمها غيرهم. وإني أميل أحياناً إلى الاعتقاد أن قصص المجون في شعر أبي نواس وابن الرومي لم تحدث حقيقة ولم يفعلوا ما زعموا أنهم فعلوا أو على الأقل بعضها لم يحدث، وإنما هي خواطر السوء التي تمر بخاطر الناس ويكتمها الناس ويعجز بعض الفنانين عن كتمها بل يصنعون منها قصصاً فخراً بها أو صنعة. وعلى هذا القياس نستطيع أن نفهم قصيدة ابن الرومي التي أولها:(لهف نفسي على رصاص مُذابٍ) أي رصاص منصهر كي يصبه في فم عدوه حتى يموت ويتشفى بسؤاله عن صحته أثناء ذلك، وهي قصيدة شنيعة. ولكن كم من الناس إذا تألم من عداء رجل ألماً شديداً لا تخطر له مثل هذه الخواطر إذا اشتد به الألم وكان مرهف الإحساس؟ أما أن يصب الرصاص المنصهر في فم إنسان فهذه مسألة أخرى، فقد يكون صاحب هذه الخواطر أعجز الناس عن إتيان الشر كما هو أعجز الناس عن كتمان ما يجول بخاطره من خواطر السوء. ولا ننس أن ابن الرومي كان مرهف الإحساس حتى أنه أعد خنجراً مسنوناً كي يقضي به على حياته فيما زعموا إذا اشتد به الألم في الحياة، وقد اشتد واشتد ولم يفعل.