فقولاً فعملاً، ولا ترضى وتطمئن حتى تبلغ رسالتها إلى كل نفس إنسانية، وحتى يؤمن بما آمنت به أفراد البشرية جميعاً.
ومثل هذه الغيرة التي بدت من المسلمين لتشهد على صدق دينهم هي التي حفزتهم على أن يحملوا رسالة الإسلام إلى كل أرض ينفذون إليها، وهي التي جعلت لدينهم بحق تلك المكانة بين الديانات التي نطلق عليها (الديانات التبشيرية). وتاريخ نشأة هذه الغيرة التبشيرية والقوى الدافعة إليها وطرائق نشاطها كلها موضوع الصحائف القادمة، ولا ريب أن أولئك المائتي مليون من المسلمين المنتشرين اليوم في الأرض دليل جهاد هذه الروح طوال القرون الثلاثة عشر الماضية.
وأعلن تعاليم هذا الدين لأول مرة في القرن السابع عشر على أهل بلاد العرب نبي انضوت تحت لوائه قبائلها المتفرقة فأضحت شعباً واحداً، ثم دبت فيهم الروح القومية الجديدة فملأتهم حياة ونشاطاً، ثم سرت في جيوشهم حماسة وغيرة فملأتاها بأساً وقوة لا مرد لهما، وبهذه العدة كلها خرج المسلمون إلى القارات الثلاث يفتحون البلاد ويخضعون العباد، فاستولوا في أول الأمر على سوريا وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا وبلاد فارس، وانطلقوا بعد هذا غرباً إلى أسبانيا وشرقاً إلى ما وراء الأندوسيا، ولم يمضي على وفاة النبي مائة عام حتى وجد المسلمون أنفسهم سادة إمبراطورية أوسع رقعة من إمبراطورية روما في أوج قوتها.
ورغم أن هذه الإمبراطورية قد تصدعت فيما بعد وانهارت قوة الإسلام السياسية فإن فتوحه الروحية قد بقيت لا تحول دون سبيلها الحوائل. نعم أغار المغول على بغداد سنة ١٢٥٨ وسلبوها، وأغرقوا في الدماء مجد العباسيين وقد ذبل عوده وحال لونه، وقام النصارى في الأندلس وعلى رأسهم فرديناند صاحب ليون وقشتالة فطردوا المسلمين من قرطبة سنة ١٢٣٦، ودفعت غرناطة آخر حصن للمسلمين في الأندلس الجزية للملك المسيحي. كان ذلك كله يجري والمسلمون يضعون أقدامهم في أرض جديدة يدخلون أهلها في دين الله، تلك هي جزيرة سومطرة، ثم كانوا على وشك أن يبدءوا تقدمهم الموفق في جزائر أرخبيل الملايو، وهكذا يقوم الإسلام في ساعات انهياره السياسي بطائفة من أعظم غزواته الروحية. وفي التاريخ ظرفان خطيران وطئ فيهما الكفار بأقدامهم أعناق المسلمين، أولهما: