حين دهمهم الأتراك السلاجقة في القرن الحادي عشر؛ والثاني حين غزاهم المغول في القرن الثالث عشر. ورغم أن الغزاة أخضعوا المسلمين لسلطانهم السياسي في كلتا الحالتين فإنهم خضعوا لسلطان الدين الإسلامي ورضوه ديناً لأنفسهم. وفي مرة أخرى نجد المبشرين المسلمين في غير اعتماد على سلطان الحكم وصولة الجيوش يحملون الدين الإسلامي إلى أواسط أفريقيا والصين وجزائر الهند الشرقية.
واليوم يمتد نطاق الإسلام من مراكش إلى زنجبار، ومن سيراليون إلى سيبيريا والصين، ومن البوسنة إلى غيانة الجديدة. ولو أننا تركنا البلاد الإسلامية البحتة أو التي يسكنها عدد كبير من المسلمين كالروسيا والصين، وجوزنا حدودها إلى البلاد التي لم تؤمن بالإسلام لوجدنا بها بعض الجماعات الإسلامية القليلة العدد المحدودة الكيان تشهد على قيام الإسلام بين من كفروا بدعوته. ومن أمثلة ذلك لتوانيا التي يعيش فيها مسلمون من أصل تتري يتكلمون اللغة البولندية ويسكنون أقاليم كوفنو وفلنو وجردونو، وكذلك المسلمون الذين يتخاطبون باللغة الهولندية في مدينة الرأس، كذلك أجراء الهنود الذين حملوا معهم الدين الإسلامي إلى جزر الهند الغربية وغيانا البريطانية والهولندية، وأخيراً نجد للإسلام أنصاراً في إنجلترا وشمال أمريكا واستراليا واليابان. . .
ويرجع انتشار الإسلام في تلك المساحات الواسعة على ظهر الأرض إلى أسباب كثيرة اجتماعية وسياسية ودينية، ولكن من أهم العوامل التي أحدثت هذه النتيجة المثيرة للإعجاب جهود المبشرين المسلمين المتتابعة، وهؤلاء اقتدوا بالنبي (ص) نفسه فضحوا بحياتهم معه في سبيل إدخال الكفار في دينهم.
ولم يكن واجب الدعوة إلى الدين فكرة متأخرة في تاريخ الإسلام، بل كان أمراً محتوماً على المؤمنين من أول الأمر، يدل على ذلك ما نسوقه إليك من آيات القرآن المرتبة ترتيباً زمنياً بحسب نزولها:
(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)(س١٦)(١٢٦)
(وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب، فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأُمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير)(س٤٢)،