الرجل، ولكني أرى أن هذه الغريزة المزعومة ليست أصيلة في المرأة، بل هي في الحقيقة صورة ظاهرة من صور الحب التي مرجعها حب الذات، والتي تختصر تاريخ النزاع المديد الشديد الذي قام بينها وبين ذلك الرجل الذي ظل أحقاباً متعاقبة يقهرها ويحتجزها كغرضٍ من أغراض العاطفة الرخيصة. على أن ذلك النزاع لم يلبث أن استحال إلى حرب نظامية تطورت وصارت خطة سياسية أو وسيلة نسوية، أخذت الآن تتضاءل وتتقلص حتى لتكاد تختفي في أعلى طبقات السيدات تهذيباً وأرقاهن علماً وثقافة. .
أجل، هي صورة ظاهرة من صور الحب التي مرجعها الذات والرغبة في إثباتها بشكل أكمل وأوضح، وتحديد مكانها في حيز الوجود. بل هي مظهر راق لحب الذات مصدره إعجاب المرأة بالقوة، ذلك الإعجاب الذي ينسبه سبنسر فيها إلى نمو شعورها الديني، وحنينها إلى اللياذ بقوة أعظم من قوتها، فهي حين تظهر سيطرتها على الرجل، إذ تطالبه باستعراض مجازفات إقدامه وصلابة مكسره وصرامة بأسه أمام الملأ، إنما تريد أن تتبذخ بقوته، لأنها كما تقول الكاتبة الإنجليزية جورج أليوت:(لا تستطيع أن تتعلق بالرجل الخوار الهشيم). ثم إنها حين تستفز فيه روح المنافسة والغيرة، ولو عن طريق الخطار بحياته، تعمد إلى امتحان حبه، وتتطلع إلى مبلغ تهافته على الاستئثار بإعجابها، وإرضاء نزعات تدللها وتيهها، بطرائق تسير ذكرها في الآفاق، وتفشي تدلهه بحبها على الألسنة، وترجِّع صدى هيامه بها في المحافل، وتذهب سمعه في الناس، ولا تتوانى في سبيل سعيها لامتلاك قلبه عن إثارة زهوه بتقريظ شهامته وتملق رجولته وإطراء نخوته، فلا يتوانى هو بدوره عن حمل نفسه على المخاوف والمعاطب واقتحام الهلكات والمتالف.
ولكي نقرب من إنصاف المرأة مع ذلك، أصرح بأن ما يبدو منها من حب السيطرة، لا يمكن أن يؤخذ على معناه المطلق، لأنه لا يتجاوز ميلها الفطري إلى التسلط على قلب الرجل، ونيل الحظوة في عينيه. ولئن رغبت في أن تكون محبوبة منه بكل قواه، فإنما رغبتها الأولى أن تكون هي المحبّة. وأكبر اعتقادي أن ما تبذله من قبيل استمالته إليها، ليس إلاّ نتيجة لتلك الرغبة الملحة، وعلى كل حال فرغبتها ورغبته مترابطتان، والغالب أن يكون الحب متبادلاً بينهما. ولقد قدمتُ أن المرأة الراقية المهذبة، قد تمكنت بفضل العلم الناضج من معالجة (مركب النقص) الذي أذكته فيها سيادة الرجل في مثل البيئات