مخصصاً أو مقصوراً عليها. والمدرسة الثانية تقول عكس ذلك وتعزو للحياة وللإنسان أهمية خاصة.
أما عن نفسي فإن إحساساً خفياً وإن كان غير مَبْنِيّ على حقائق علمية أو على أساس في العلم التجريبي يدفعني إلى أن أكون من أنصار المدرسة الثانية.
أن تحاول إقناعي اليوم أنني والتفاحة التي أكلتها شيء واحد، وأنني والمحبرة التي أكتب الآن منها مركب متشابه من النيترون والإلكترون وغيره وأن ترتيباً خاصاً من هذه الذرات وما يدور في غلافها من إلكترونات هو الذي جعل هذه تفاحة تُنبتُ غيرها من التفاح وجعلتنا آدميين ننسل غيرنا من جنس الإنسان وجعلت هذه محبرة لا تصلح إلا لتمكنني من أن أمد القارئ بهذه الأسطر.
أن تحاول أن تُدخل في روعي أنني وبقية النبات أو الجماد شيء واحد وأن الحياة ظاهرة وليدة الصدفة كظاهرة المغناطيسية أو الإشعاع المادي، وأنني وهذه الكائنات نتساوى، كل هذه مسائل لا أجد من نفسي تساهلاً في قبولها.
قد تكون بليغاً جدّاً في محاولتك، وقد تكون براهينك العلمية والعملية من القوة بحيث نطأطأ الرأس لحججك، وبحيث لا نستطيع اليوم أن نُقنعك بطريق العلم النظري أو العلم التجريبي بخطأ علمك وتجاربك، ولكن غريزة في النفس تشبه الغريزة التي تحمل دودة القز السابقة على العمل وتحملك على الخروج من المنزل كل يوم لكسب عيشك، تدفعني إلى أن أخالفك في الرأي، ويداخلني شعور يستقر في نفسي يوحي إلي أننا نختلف عن التفاحة والمحبرة اختلافاً مبيناً، وأن في جوهر حياتنا ما يجعلنا نفترق عن الأشياء وعن الظواهر الأخرى للكون.
في محاضرة لمسيو روجيه عميد كلية الطب السابق بباريز حضرتها في شتاء ١٩٣٤ بين آلاف المستمعين في إحدى ردهات بوليفارد سان جيرمان بالحي اللاتيني، ألقاها في جماعة العقليين التي هو وكيلها تعرّض للحياة وعلى الأخص لما نسميه الروح والعقل. ولو أنك حضرت هذه المحاضرة لأيقنت أن روجيه على حق، ولخرجت مثل الكثيرين مقتنعاً بأنك والتفاحة وباقي الكائنات شيء واحد، وأن ما نسميه العقل والروح والنفس وغير ذلك ما هو إلا نوع من الآمال التي نتصورها لأنفسنا، وأنه لا وجود لها إلا في خيالنا. ليست أمامي