الآن محاضرة الأستاذ روجيه حتى أعيد قراءتها وألخص لك نقطها القوية التي تستند إلى وقائع فعلية وتجارب عملية في الطب والتشريح المقارن والتي تعرّض في ختامها لفلسفة برجسون التي لا يعترف بصحتها ويهاجمها هجوماً عنيفاً.
ولعل رأي روجيه يمثل رأي غالبية العلماء زملائه اليوم من الأطباء والبيولوجيين. والظاهر لي أننا إن أردنا أن نستدل على تفسير للحياة بين علماء الطبيعة والرياضة المعاصرين فإنه يغلب على الظن أننا نصل إلى النتيجة نفسها. وهاهو ذا السير جينز في كتابه (العالم الغريب) يقول وهو يتكلم عن الأرض كسيار انفصل عن الشمس: إننا لا نعرف كيف ومتى ولماذا تولدت الحياة بطريق الصدفة في واحد من هذه الأجزاء التي تناثرت من الشمس وهو الأرض.
هذه الحياة التي بدأت في مخلوقات بسيطة لا تعرف في المبدأ شيئاً غير أنها تتوالد ثم تموت. أجل هذه الحياة التي استمر خيطها يطول ويتعاظم إلى أن وصلت إلى هذا الوضع المعقد الذي تتوالد فيه كائنات تهب الجزء الأكبر من عمرها لأطماعها ورغباتها بل لأديان وضعت فيها أكبر آمالها. وإن شيئاً من التأمل في البحث عن صلتنا بالكون المحيط بنا يحملنا كما يقول ذلك السير جينز على الفزع، فالكون يفزعنا بعظم مسافاته الشاسعة وطول الزمن الذي يمر ويبدو كأنه لا نهائي، والذي لا يُعد تاريخ الإنسانية فيه إلا لمحة من البصر - الكون يفزعنا بوحدتنا وبضآلة المادة التي يتكون منه عالمنا الشمسي بالنسبة إلى ملايين العوالم، وإن أرضنا على حد تعبير السير جينز ما هي إلا جزء واحد من مليون جزء من حبة رمل من مجموع كل رمال الشواطئ - إنما الفزع أن ندرك أن العالم أصم لا يشعر بنا وأنه ممانع لكل نوع من الحياة تشبه حياتنا. فالفراغ بين العوالم أو الشموس من البرودة بحيث أن كل حياة تنتهي فيه بالجمود والموت، والجزء الأعظم من المادة المكونة للنجوم، من الحرارة المرتفعة بدرجة تجعل كل حياة فيها مستحيلة، ويصل إلى هذه الأجرام من الأشعة المختلفة ما هو غير ملائم للحياة وقاتل لها. ويكفي أن أذكِّر القارئ أن طبقة الأوزون المحيطة بالكرة الأرضية تحمينا من الإشعاعات القاتلة.
في عالم هذا وصفه ألفينا أنفسنا مخلوقات فيه تتحرك وتفكر، ولو اعتقدنا كما يعتقد جينز وغيره أن وجودنا حادث وليد الصدفة فإن فناءنا أيضاً سيكون وليد الصدفة، فإن من