وحين كانت قريش تستبق إليه تشتري منه هذا الخضاب بما أحب من مال، ولكنه محزون منذ أمس، مغرق في حزن لا قرارة له، فهو خليق بالرثاء. إنك تحبينه يا سيدتي وستنسين إعراضه عنك، وسترثين له، وإني أخشى أن تخفي إليه حين تعرفين نبأه. قالت سمراء في شيء من الجزع بدأ هادئاً ولكنه لم يلبث أن اشتد قليلاً قليلا حتى بلغ أقصاه: ماذا تقولين وبم تتحدثين؟ وهو محزون! هو خليق بالرثاء لماذا؟ أبيني متى علمت بذلك؟ وكيف أخفيته علي؟ ما الذي يحزنه؟ ما الذييسوءه؟ ما الذي يجعله أهلاً للرثاء؟ ما الذي يضطرني إلى أن أخف إليه لأعزيه وأواسيه؟ قولي، أسرعي، لا تخفي علي شيئاً. قالت ناصعة: مهلاً يا سيدتي أرفقي بنفسك ولا تذهبي بها في الخيال كل مذهب، لابأس عليه في نفسه، ولا في ماله ولكنه يمتحن منذ أمس في بنيه. هوني عليك إن في هذه المحنة لعزاء لك عن فقد حارثك العزيز. أتذكرين يوم احتفر زمزم فنذر لئن أوتي من الولد عشرة ذكوراً. . . . . . . قالت سمراء: يراهم ليضحين بواحد يا بؤس هذا اليوم! لقد عرفت هذا النذر فكان مصدر شقائي كله، عرفت أنه سيستكثر من النساء ورأيت مدية التضحية ممدود إلى عنق قد تكون عنق ابني العزيز. منذ ذلك اليوم كرهت النساء جميعاً لأني رأيت في كل واحدة منهن ضرةلي، ومنذ ذلك اليوم رأيت شبح الموت مقيماًبهذا البيت ما أقام فيه ابني مفارقاً لهذا البيت ما فارقه أبني، ومنذ ذلك اليوم لم أر ابني في يقظة ولا في نوم إلا رأيت الموت له ظلاً، أتمي حديثك يا ناصعة. قالتالفتاة: لقد ذكر زوجك أمس وهو يتحدث إلى فاطمة نذره هذا وذكر أن أبناءه الذكور قد بلغوا عشرة أحياء يراهم بمولد طفلهحمزة فأقسم ليوفين نذره، وليضحينبأحد أبناءه وليجعلهم تسعة منذ اليوم حتى تتمهم له هالة أو نتيلة أو غيرهما عشرة أو تزيد بهم على العشرة. ولم يكد يعقد هذه اليمين التي جزعت فاطمة وشاركها بناتها في الجزع. أشفقت على الزبير وأبي طالب وعبد الله وغيرهم من بنيها.
وبلغ الخبر نتيلة فخافت على العباس، وبلغ الخبر هالة فجزعت على حمزة وثارت لكل امرأة قبيلتها. وألح الناس على الشيخ؛ تأبى كل قبيلة أن تكون التضحية منها. ومضى الشيخ في يمينه فجمع إليه بنيه وأنبأهم بنذره فكلهم أقره وكلهم أطاعه وكلهم ألح عليه ليوفين بالنذر ولتقدمن الضحية. وليس لقريش منذ أمس حديث إلا هذا النبأ هم يتناقلونه ويكبرونه وينكرونه وقليل منهم من يقر الشيخعلى هذا العزم الفضيع. قالت سمراء وهي