للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مضطربة، ثم قالت الفتاة: ثم أقبل الشيخ ببنيه إلى الكعبة مع الصبح فأجال فيهم قداحه فخرج القدح على أحب بنيه إليه. وآثرهم عنده، قالت سمراء وقد سالت من عينيها دمعتان محرقتان: خرج القدحعلى عبد الله قالت الفتاة: نعم. فأخذ الشيخ بيد ابنه يقوده إلى المذبح وفي يده المدية ولكن بناته جميعاً وأمهن قمن دون الفتى صائحات يستصرخن بني مخزوم ويستصرخن قريشاً كلها ويمنعن الفتى بحياتهن. وأقبلت إحداهن إلى الشيخ ضارعة ثائرة معاًفقالت: إذا كانقلبك قد استحال إلى صخر فلا ترق لأبنك الشاب ولا لأمه الشيخة ولا لأخواته البائسات، وإذا كانت شريعة قريش قد قست وجفت وغلظت حتى جعلت للآباء على أبناءهم حق الحياة والموت كأنهم الرقيق أو الحيوان، فدعنا نحتكم في هذا الفتى إلى رب هذا البيت فهو أوسعمنك رحمة وأجدر منك أن يضن بهذا الشباب على الضياع وأن يربأ بهذا الدم الذكي أن يراق. لنحتكم إلى رب هذا البيت في أمر هذا الفتى، لنقرع بينه وبين هذه الإبل الكثيرة التي تسيمها في الحرم ولنبلغن من ذلك ما يرضي رب هذا البيت.

وكانت قلوب قريش قد تفطرت حزناً وتصدعت أسى لقول هذه الفتاة وهي تبكي، وقد التزمت أخاها تعانقه وتقبله وتغسل وجهه الناصع بدمعها الغزير وهي تصيح: لأموتن قبل أن تموت. فما زالت قريش بالشيخ تلاينه حيناًٍ وتخاشنه حينا حتى اضطرته إلى أن يقبل تحكيم الآلهة.

قالت سمراء وقد بلغ بها الهلع أقصاه: ثم ماذا؛ قالت الفتاة ثم لا أدري تركتهم يتأهبون لإجالة القداح بين الفتى والإبل وأقبلت لأقصعليك النبأ فرأيتك فيما كنت فيه من حزن عميق.

قلت سمراء يا بؤس لهذه الحياة! لا يسعد فيها الناس بخير مهما يكثر كل السعادة، ولا تشقى فيها الناس بشر مهما يعظم كل الشقاء. أسعيدة أنا بموت الحارث أم شقية؟ لو قد عاش لذقت الآن ما تذوقه فاطمة من هذا الحزن اللاذع والخوف المهلك ولكني كنت أوثر مع ذلك أن يعيش فقد كان يمكن أن تخطئه القداح، وقد كان يمكن إن لم تخطئه في المرة الأولى أن تخرجعلى الإبل من دونه وقد كنت أستمتع به أعواماً، ولكن هلم لا مقام لنا الآن لنسرع إلى حيث هم لنشاركهم فيما يجدون. وا حسرتاه! إني لصادقة الحزن! إني لصادقة الخوف! إني لشديدة الإشفاق! إني لشديدة الرجاء، ولكن فاطمة ستضن بي سوءاً وستقدر أني أقبلت غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>