بريئة النفس من الشماتة، قالت ذلك ونهضت يدفعها حزنها الخالص ويردها خوفها من سوء الظن، ولكنها أسرعت مع ذلك وأسرع معها إماؤها. ولم تكد تتقد م في الطريق نحو المسجد حتى سمعت أصواتاً ورأت إضطراباً ثم تبينت في الأصوات فرحاً ورأت على الوجوه بشراً، وعرفت أن القدح قد خرج بعد لأي على مائة من الإبل. وأن عبد المطلب يؤذن في الناس أنه سينحر هذه الإبل بين الصفا والمروة، وأنها حرام عليه وعلى بني هاشم، مباحة لغيرهم من الناس والحيوان والطير.
فأسرعت سمراء حتى اختلطت بفاطمة وبناتها وهن سائرات يحطن بالفتى ويحلن بينه وبين غيره من الناس، حتى إذا بلغن البيت ألفين فيه امرأتين تبكيان إحداهما هالة بنت وهيب أم حمزة وزوج عبد المطلب، والأخرى بنت عمها اليتيمة آمنة بنت وهب. هنالك أقبلت سمراء هادئة باسمة إلى الفتاة فكفكفت من دموعها؛ وضمتها إليها وقبلت جبينها الطلق، ثم التفتتإلى عبد الله وهي تقول: هلم يا فتى فقبل أهلك فمهما تغل لها في المهر فلن تبلغ هذه الدموع التي ذرفتها حزناً عليك. ثم نظرت إلى فاطمة وهي تقول: ألا ترين أنها أحق فتيات قريش أن تكون له زوجة!