إلى النفوس، سهلاً في التناول. أما العقاد فقد تخيّل (رهن المحبسين) يجوس بيننا خلال الديار، ويتمرس بأحوال الأمم في عالمنا الحاضر. ثم راح ينطقه بالرأي في شؤون زماننا بالقياس على المعهود من كلامه، والمقابلة بين المعروف من آرائه، وهو في كل هذا يستشهد بشعره، ويتمثل بقوله، ويصطنع لغته، ويجري على طريقته. . .
ولقد أخذ على العقاد بأنه في كتابه قد أظهر شخصيته هو لا شخصية أبي العلاء، وأبدى رأيه هو لا رأي شيخه في الحياة، وأنه أنطق الرجل بالقرآن وما كان ديدنه ذلك، وكأني بقائل هذا قد فاته الغرض الذي قصد إليه العقاد. وأشار إليه في المقدمة بصريح العبارة، فإن العقاد لم يقصد إلى دراسة المعري ولكنه فرضه حيَّا في هذا العصر، وعلى هذا الفرض أنطقه بالرأي قباساً على المعهود من كلامه وآرائه كما يقول، فله أجر المجتهد إن أخطأ أو أصاب في مجال الفرض والتخمين. . .
وفي الكتاب أقوال يجوز فيها بيننا وبين الأستاذ الخلاف، فهو يقول مثلاً: أما الخمر فلا أستبعد أن الشيخ قد ذاقها في بعض الأديرة التي كان يغشاها للدرس (ص ٤٦) وأنا أخالف الأستاذ في ذلك وأرى أن وصفه للخمر لا يقوم دليلاً على ذلك. والأستاذ العقاد نفسه يأخذ بهذا الرأي فيما كتبه عن المعري في المطالعات فبأي قولي الأستاذ نأخذ؟
ويقول على لسان المعري لتلميذه حسبك حسبك وهو يشرح له فلسفة العصر في المرأة، وعهدنا بالمعري يتلهف على المعرفة، ويضرب إليها أكباد الإبل، فليس من طبعه أن يقول: حسبك حسبك. في مثل هذا المقام.
ويقول العقاد: أما أبو العلاء فهو قريب من أبو نواس في الثقافة، وكان الأنسب أن يقول: ولقد كان أبو نواس قريباً من المعري في ثقافته. . . والفرق واضح بين القولين.
ويحاول الأستاذ العقاد أن يقف بالمعري في المناقشة والمحاجة دائماً موقف المتريث المجمجم الممتعض، وما كان المعري كذلك بطبعه إلا في مواقف التقيّة والمداراة.
وأعود فأثني على كتاب أستاذنا الكبير خير ثناء، وأشكره على يوم قضيته في استجلاء (كتابه) فلم أندم عليه، بل ربحت منه الكثير، وأفدت منه النافع الجليل.