أستاذنا نضرب هذه الأمثال لنبين أن الناس ناس في كل زمان ومكان، وإن النفس البشرية واحدة مهما تباينت واختلفت صفاتها. ولو كان الأستاذ في شك من ذلك فليراجع ديوان حسان بن ثابت فيراه في قصيدة يتهم أبا الوليد ابن المغيرة بمحبة غلام رومي جميل كان مملوكاً له، وبأنه علق صورة الغلام كي ينظر إليها إذا غاب عن نظره، ويتهم أمه بمحبة الغلام أيضاً. (صفحة ٣٢٩ طبعة السعادة شرج العباني). ولو رجع الأستاذ إلى كتاب (العقد الفريد) لقرأ أن سائلاً سأل عبد الله بن العباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم: هل قول المجون ينقض الوضوء؟ فقال: لا. وانشد بيتاً فيه مجون وكانت قد حانت الصلاة فقام وصلى للدلالة على أن شعر المجون لم ينقض وضوءه. وفي حالة أخرى سمع وهو يحدو ببيت فيه مجون. ولو تقصى الأستاذ أخبار سبي الرقيق من المدن الفارسية والرومية التي فتحت عنوة واثر ورود هذا السبي إلى شبه جزيرة العرب، وما كان يرد قبله من جلب تجارة الرقيق قبل الإسلام لعلم أن الولوع بمفاتن الحسن لم يكن مقصوراً على الشعراء المتقدمين أو المتأخرين. ونحن لا نريد أن نعذر حالة الناس في عصرنا. فلعل التعلق بمفاتن الدنيا في عصرنا أضر وأفسد إذ أن القوى الحيوية الخلقية العظيمة في نفوس المتقدمين كانت تستطيع موازنة ضعف هذا التعلق، وانعدام هذه القوى الخلقية الحيوية في عصرنا يزيد ضرر التعلق بمفاتن الحسن وشهواته. نعلم ذلك ونوافق الأستاذ على ضرورة معالجة هذه المسألة، ولكن لا يكون ذلك إلا بالتربية وتطهير الكتب ولا سيما القديمة. أما أننا رجعنا إلى مبدأ نهضة التجديد فالأستاذ نفسه يعترف بأن التجديد في الأدب روح لا قالب، وإن هذه الروح مستمدة من نظام التعليم الحديث، ومن الأنظمة التي اقتبست من الأنظمة والشرائع والسنن الأوربية، ومن البعثات العلمية إلى أوربا وأثرها في النفوس، ومن الكتب التي ترجمت؛ وما دامت المسألة مسألة روح لا قالب فلا يستطيع الأستاذ فصل التجديد في العلوم والتعليم والنظم والشرائع عن التجديد في الأدب وهو لم يحاول أن يفعل ذلك. أما أننا فسرنا قوله:(تغليب دين على دين) بغير ما أراد فعذرنا في ذلك أنه كان يقارن بين الثقافة والحضارة والدين عند العرب وعند الأوربيين فلم يخطر ببالنا أنه يعني بالدين عند إطلاقه على الأوربيين معنى الضلال والباطل وإنما ظننا أنه يعني دينهم، ولنا العذر أو بعض العذر. وأما قول الأستاذ أن حافظ إبراهيم رجع بالغزل إلى طريقة الجاهلية