أما بنلوب فقد ضربت المثل الأعلى لحفاظ المرأة ووفاء الزوجة، لكنها مع ذلك عوملت من أمراء هيلاس معاملة عجيبة مضحكة تدعو إلى السخرية التي فاجأ بها المصريون القدماء المشترع صولون. . . وإلا فما هذه العصبة من العشاق المعاميد تحتل منزل أودسيوس فتزيغ خيره وتأكل زاده وترتع في شرفه وتستبيح عرضه؟! أكانت منزلة المرأة عند اليونانيين - ولو في عصر هوميروس - بهذه الدرجة من الهوان! زوجة ملك إيثاكا تكون بطلة هذه المأساة الغرامية الوضيعة، وقد قدم هوميروس من خيوس لينشد ملحمته في المدائن اليونانية ليسمع أهلوها كيف كان أسلافهم يعاملون زوجة بطل أبطالهم؟!
وكليتمنسترا زوجة أجأممنون. . . لقد عشقت هي أيضاً إيجستوس المتآمر على عرش مولاه والذي دبر له تلك القتلة الهائلة الشنيعة بعد عودته ظافراً من طروادة. . . فما هذا الذي صنعه هوميروس بنساء اليونانيين؟ لقد عبث بهم وهو يرفع أبطالهم إلى ذروة المجد، ولها بعقولهم حين عرض عليها بضاعة البطولة المزجاة ملفوفة في أكفان تلك الأعراض الممزقة. . . حتى آلهتهم. . . لقد تناولها كما يتناول الطفل دماه ولعبه يعبث بها ويلهو. . . حتى كبير الآلهة وسيد الأولب. . . انظر إليه كيف احتالت عليه زوجه جونو (حيرا) - الكتاب الرابع عشر - فجعلته يغفى ثم يغط في نوم عميق كيما يذهب نبتيون لنصرة الإغريق، فإذا استيقظ في الكتاب الخامس عشر وعلم ما كان من أمر نبتيون أرسل إليه ينذره في المعركة، فيعود رب البحار وينبري أبولو لمشاكسة اليونانيين فترتد جموعهم إلى قواعدها عند الأساطيل. . .
أما المرأة الطروادية فقد سما بها هوميروس سمواً بلغ الغاية وأوفى على المأمول. . . أنظر إلى الأزواج والعذارى والأمهات يجتمعن حول هيكتور في الكتاب السادس في عودته من المعركة يسألنه عن ذويهن؛ وانظر إلى أمه تبرز إليه من حريم بريان عابسة مقطبة ترجوه لأنه عاد من المعركة وهي على أشدها، ثم تحضنه على اللحاق بإخوانه ينصرهم ويشد أزرهم ويرد عادية الإغريق. . . ثم أنظر إلى هذه المرأة المرزأة - هيكوبا - تجمع المتضرعات من بنات طروادة وتذهب فيهن إلى هيكل مينزفا تصلي وتعقر القرابين كيما تشمل جيش طروادة بحسن رعايتها وجميل حمايتها. . . ثم استمع إليها تحنو على هيكتور في الكتاب الثاني والعشرين بعد إذ وعظه والده خوفاً عليه من أخيل (الجني!) وقد أفزعها