منظره يصول في الحلبة ويجول، فتذرى دمعها وتساقط نفسها بعد إذا أرسلت إلى المجزرة بأكثر أبنائها. . . أو أنظر إليها تمزق نياط القلوب في الكتاب الرابع والعشرين إذ هي تبكي هكتور بعد إذ عاد أبوه بجسمانه من لدن أخيل. . . أو أنظر إليها تتعلق ببريام وقد انقض بيروس (ولد أخيل) على آخر أبنائها يخترمه برمحه، ثم ينقض على بريام الشيخ الفاني المسكين فيجهز عليه، ثم يقتاد هيكوبا. . . هكيوبا المحزونة المفجعة فتكون في جملة السبي الذي يعود به اليونانيون من طروادة، ويكون سبباً يجر عليهم النحس فيقتل من يقتل ويردي من يردي
وأندروماك! لشد ما يدوي في فؤاد القارئ هذا المشهد الرائع بينها وقد حملت طفلها وبين زوجها هكتور في الكتاب السادس من الإلياذة! إن هوميروس يرتفع في هذا المشهد إلى ذروة فنه في ملحمته الخالدة! لشد ما يحرق القلب وداع أندروماك الزوجة لهكتور الزوج
أنظر إليها واقفة فوق برج من أبراج طروادة وقد قتل أخيل زوجها وراح يجره وراء عربته في الساحة حول اليوم. والرأس الكريم العظيم يثير التراب المنضوج بالدم، وأخيل يلهو بكل ذلك ويشتفي!
بل أنظر إليها وقد وقفت تضرب صدرها وتسكب دمعها على جثة هكتور بعد إذ عاد بها أبوه بريام من عند أخيل، ثم تقول:
(زوجي! أهكذا تمضي في عنفوان الصبا وشرخ الشباب، وتتركني وحيدة فريدة كاسفة! هذا ابنك ما يزال في المهد، وهذان أبواك الشقيان! لن يشب ابنك يا هكتور عن طوقه، لأن من دون هذا دك تلك الحصون، وتقويض طروادة التي كنت حاميها وحامي نسائها والذاب عن بنيها! يا لشقاء الحرائر اليوم يا طروادة! إن هي إلا لحظات ثم يحملهن البجر إماء للغزاة، وأنا وولدي في جملة السبي يا هيكتور. . . ولدي! ولدي البائس الشقي! إلى أين المسير؟! إلى بلاد العدو الظالم لنكون من جملة الخدم والخول. . . ليراك من يحسب أباك قد قتل أباه أو أخاه فيبطش بك، وينتقم منك، ويقذف بك من فوق برج أو حصن. . .
(لشد ما كنت حزنا لأبويك يا هكتور! بيد أنك كنت حزناً ممضا لمخلوق تعيس آخر هو أنا. . .!)
وهكذا بكت هذه الزوجة المخلصة الوفية زوجها، وهكذا كانت دموعها الغوالي مداداً لا ينفذ