ولما مضى معن مضى الجود فانقضى ... وأصبح عرنين المكام أجدعا
وقال ابن المعتز يصف سامرا بعد أن تركها الخلفاء إلى بغداد فسارع إليها الخراب:
(كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها، وأقعد جدرانها، فشاهد الناس فيها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر، وكأن عمرانها يطوى، وكأن خرابها ينشر، وقد وكلت إلى الهجر نواحيها، واستحث باقيها إلى فانيها، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حق جوار، فالطاعن منها ممحو الأثر، والمقيم بها على طرف سفر، نهاره إرجاف، وسروره أحلام؛ ليس له زاد فيرحل، ولا مرعى فيرتع الخ)
في هذه القطع كلها تجد المبين ينشئ ما يترجم عما شعر به وتخيله وتصوره حينما رأى منظراً بهيجاً من السحاب والرياض، أو مرأى كئيباً من الخراب والإقفار، وحينما علم موت صديق يعز عليه أو عظيم، كان يزجى آماله إليه. وكل هذا تصرف
- ٢ -
فإذا تبينت هذا فانظر إلى الأمثلة الآتية:
قال القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتاب الوساطة:
(وقد علمت أن الشعراء قد تداولوا ذكر عيون الجاذر، ونواظر الغزلان، حتى أنك لا تكاد تجد قصيدة ذات نسيب تخلو منه إلا في النادر الفذ. ومتى جمعت ذلك ثم قرنت إليه قول امرئ القيس:
تصدُّ وتُبدي عن أسيل وتتِّقي ... بناظرة من وحش وَجرةَ مطفل
أو قابلته بقول عدى بن الرقاع:
وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه أحورُ من جآذر جاسم
رأيت إسراع القلب إلى هذين البيتين، وتبينت قربهما منه؛ والمعنى واحد، وكلاهما خال من الصنعة، بعيد من البديع. إلا ما حسن به من الاستعارة اللطيفة التي كسته هذه البهجة. وقد تخلل كل واحد منهما من حشو الكلام ما لو حذف لاستغنى عنه وما لا فائدة في ذكره لأن امرئ القيس قال: (من وحش وجرة). وعدياً قال. (من جآذر جاسم) ولم يذكرا هذين الموضعين إلا استعانة بهما في إتمام النظم وإقامة الوزن، ولا تلفتن إلى ما يقوله المعنويون في وجرة وجاسم فإنما يطلب به بعضهم الأغراب على بعض، وقد رأيت ظباء جاسم فلم