أرها إلا كغيرها من الظباء، وسألت من لا أحصى من الأعراب عن وحش وجرة فلم يروا لها فضلاً على وحش ضرية وغزلان بسيطة. وقد يختلف خلق الظباء وألوانها باختلاف المنشأ والمرتع، وأما العيون فقل أن تختلف لذلك. وأما ما تمم به عدى الوصف، وإضافة إلى المعنى المبتذل بقوله على أثر هذا البيت:
وَسْنان أيقظه النُّعاس فرنّقت ... في عينه سِنة وليس بنائم
فقد زاد على كل من تقدم، وسبق بفضله جميع من تأخر. ولو قلت: اقتطع هذا المعنى فصار له، وحظر على الشعراء ادعاء الشرف فيه لم أرني بعدت عن الحق) أهـ
الجرجاني في هذه القطعة يفضل بيتي امرئ القيس وعديّ على أبيات الشعراء في معناهما، ثم يبين ما فيهما من الحسن وما تخللهما من الحشو، ثم يصف بيت عديّ الثاني بأنه احسن بيت في معناه. فالجرجاني لم يبين هنا عما أحسه هو في وصف العيون، ولكنه ينظر فيما قال غيره فيبين ما فيه من إجادة وتقصير ويبين أي الأبيات ابلغ وهكذا. فهو إنما يصف كلام غيره ويقيسه بذوقه وتصوره
فهذا أدب موضوعي. . .
وقال بشر بن المعتمر:
(ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين، وبين أقدار الحالات؛ فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاماً، ولكل حالة من ذلك مقاماً، حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات، وأقدار المستمعين على أقدار الحالات: فإن كان الخطيب متكلماً تجنب ألفاظ المتكلمين، كما أنه عبر عن شي من صناعة الكلام واصفاً أو مجيباً أو سائلاً كان أولى الألفاظ به ألفاظ المتكلمين إذ كانوا لتلك العبارة أفهم، واليها أحن، وبها أشفق. . . الخ)
وقال أبو العباس الناشئ:
لعن الله صنعة الشعر ماذا ... من صنوف الجهّال منه لقينا
يؤثرون الغريب منه على ما ... كان سهلاً للسامعين مبينا
إنما الشعر ما تناسب في النظم ... وإن كان في الصفات فنونا
فأتى بعضه يشاكل بعضا ... قد أقامت له الصدور المتونا