حَيَاتُهُم لا يَستَسِيغُونَهاَ ... حَتَّى تُرَى شَاحِبِةً غَارِبَه
يَا عَجباً حِين يَلُوحُ الرَّدى ... تَلمَحُهُ أنفُسُهُمْ هَائِبه!
ابتَسِميِ يا نَفسُ لا تَعبِسي ... لا خَيرَ لَلعَابِسِ مِن دَهرِهِ
الحُرُّ لا يَأسَى عَلَى فَائِتٍ ... والدَّهرُ لا يَقْوى عَلَى قَهْرِهِ
هذا هُوَ الماضِي خُذِي وَحيَهُ ... واسْتَقبِليِ الغَيبَ عَلَى ذِكرِهِ
مَاضِيكِ لا تَذهَبُ أطيَافُهُ ... أو تُطفِئُ الأيَّامُ من بِشرِهِ
باَتَ مِن الأقدَارِ فيِ نَجوَةٍ ... هذا هُوَ المعُجِبُ مِن سِرّهِ
ما غابَ من عيش الفَتَى من أسىً ... لا يُقِدمُ المَرءُ عَلَى نَشرِهِ
أمَّا سَنَا الماضي فيوحي لَهُ ... ما كَرَّتْ الأيَّامُ، مِن نورِه
ما لَذَّةُ العَيشِ إذا ما خلا ... من رَوعِةَ الماضي ومِن سِحر
مَوتٌ من الموتِ بِقَلبِ الفتى ... نِسيَانُهُ السَّالِفَ مِن عُمْرِه
آليتُ لا آسَى عَلَى ذاهِبٍ ... أوْ أذْرِفُ الدَّمعَ عَلَى دَارِس
هواي لن أشقَى بِهِ بَعدَ مَا ... عِشتُ زَمَاناً عِيشَةَ اليائِسِ
سَّيانَ عنِدي بَعدَهُ ما أرى ... من بَاسِمِ الأيامِ والعابِس
لكنني أمِضي إلى غايَتِي ... أحنو على المحزُونِ والبائِس
أصِغي من الماضِي إلى ماثِلٍ ... من طَيِفْهِ في مِسمعِي هَامِسِ
أحيا عَلَى الذِّكرَى حَياَةَ امرِئِ ... ما كانَ من دُنَياهُ بالآيِسِ
إن فَاتَهُ فِيها لذيذُ الجَنَى ... كفاَهُ مِنهاَ لَذَّةُ الغاَرِسِ
عِندَ الثلاثين قفي وَانظرِي ... وَغَازِلِي يا نَفسُ حُلوَ الأمَلْ
مَن لَمْ يُشَمِّرْ للِمعَالَي فَتىً ... هَلْ يَعرِفُ العَزمَ إذا ما اكتَهَلْ؟
العَيْش في الدُّنيا قَليِلٌ فَهَل ... مِن مَوضِعٍ فِيِه لغَيِر الجذَلْ؟
كَم شدَّةٍ يا نفسُ مخبوءة ... وَلَذّةٍ في عَيِشكِ المُقَتَبلْ
لا تَلعَنِي دَهرَكِ أو تحَمِدي ... الدَّهْرُ لا يُسألُ عَمَّا فَعَل
هَّيا إلى الزورَقِ خُوضي بِه ... غِمَارِ هذي اللُّجَجِ القَاذفَهْ
لا تَطرَبي للرِّيح إن سْالمت ... أو تَرْهبي أنواَءهَا القاصِفه