نضطرب فيها بالألم والأمل إلى دار أخرى، لا تعرف الحركة ولا الاضطراب، وإما لأن أصحابها ما يزالون يضطربون معنا في هذه الدار، ولكن ظروف الحياة وأسباب العيش قد نقلت أهواءهم عنا إلى قوم آخرين ليسوا منا ولسنا منهم الآن في شئ، لقد كنت أبدا زيارات العيد بهؤلاء النفر من الأصدقاء الأعزاء أكون معهم ليلة العيد، فإذا تنفس الصبح فكرت فيهم، وإذا ارتفع الضحى سعيت إليهم، فلقيتهم وكأننا لم نلتق منذ دهر طويل، وقضيت معهم ساعة قصيرة ضيقة لم أفرغ لهم فيها، ولم يفرغوا إلى كثرة المقبلين والمنصرفين، ولكنها على ذلك ساعة عريضة خصبة لكثرةما فيها من هذا الود الذي ينتقل إلى قلبك مريحاً عذباً لا لشيء إلا لأن اليد صافحت اليد ولن التحية الهادئة البريئة من التكلف قد مست الإذن فملأت النفس حياة وغبطة وسروراً. فإذا قضيت مع هؤلاء الأصدقاء هذه اللحظة القصيرة الخصبة خرجت من عندهم وقد ادخرت من الغبطة والسعادة ما يعينني على احتمال أثقال العيد فذهبت إلى دار عدلي ثم دار ثروت ثم إلى دار فلان وفلان. وقد أخذت الأيام تتخطف هؤلاء الناس واحداً واحداً حتى لقد زرت هؤلاء الأصدقاء فقضيت معهم ما قضيت من الوقت، ثم خرجت فإذا أنا أنصرف إلى كوكب الشرق لا إلى دار عدلي ولا إلى دار ثروت ولا إلى دار فلان وفلان من أولئك الذين كنت احب أن أسعى إليهم واغتبط حين يسعون إلي أو حين يرسلون إلي تحياتهم مع البريد وكنت لا أكاد أتهيأ للخروج يوم العيد حتى ينبئني المنبئون بأن فلاناً وفلاناً وفلاناً من الأصدقاء قد أقبلوا وهم ينتظرون، منهم من يريد أن يبدأ العيد بلقائي لأن لقائي كان أحب شئ إليه يوم العيد، ومنهم من يريد أن يصحبني في زيارات العيد لأنه يجد في هذه الصحبة لذة ويسراً فأما الآن فأني أنبأ بأن قوماً آخرين قد أقبلوا وبأنهم ينتظرون، أما أولئك الذين كانوا يقبلون وينتظرون قد أنقطع إقبالهم وانقطع انتظارهم إلى حين، لأنهم يخشون الأحداث ويخافون الظروف ويشفقون من الجواسيس ويربأون بأنفسهم من غضب السلطان. هم أحياء ولكن ظروف الحياة قد قطعت ما بينهم وبيني من الأسباب، كما إن ظروف الموت قد قطعت ما بين الموتى وبيني من الأسباب. ولم تكن أيام العيد تنقضي حتى أزور داراً من الدور في ناحية من نواحي القاهرة فألقى فيها ابتسام الزهرة النضرة، والشباب الغض، والحياة التي تبتسم للحياة. وقد انقضت أيام هذا العيد فلم أزر هذه الدار لأنها محزونة لا تحتفل بالعيد، ولأن