عاب الأستاذ الغمراوي على عميد كلية الآداب الدكتور طه أنه اختار في كتاب (حديث الأربعاء) مجموعة من شعر المجون العباسي، ولا أريد أن أتعرض الآن لهذا الاختيار بنقد مطول وإن كنت أعتقد أنه جعل الكتاب غير لائق إلا لقراءة المؤرخ الباحث في آداب الشعوب في العصور المختلفة، وأنه ليس للقراء عموماً؛ وهذا لم يكن رأي مؤلفه عندما ألفه، فإني أذكر أنه عاب على الشيخ الحضري حذفه المجون من نسخة الأغاني التي هذبها وقال: إن دارس الأدب لا بد أن يقرأ هذا الشعر كيلا يخطئ في الحكم على عصره. وكان الدكتور يجد له طلاوة خاصة يستحق من أجلها الصيانة. ولا ادري هل الدكتور لا يزال على هذا الرأي أم أن جلال المنصب قد حوره؛ لكني أريد أن استخلص من ذكر الأستاذ الغمراوي كتاب (حديث الأربعاء) حجة على الأستاذ الغمراوي؛ فالشعر الذي اختاره المؤلف فيه شعر عربي، والأستاذ الغمراوي يقول إن الأدب الأوربي هو الذي أفسد المذهب الجديد في الأدب بمجونه. فكأنما يريد الأستاذ الغمراوي أن يقول إن اطلاع الدكتور طه حسين بك على الأدب الأوربي هو الذي دعاه إلى اختيار شعر الحسين بن الضحاك وشعر أبي نواس وغيرهما. فإذا كان هذا قصده ومعناه فأن الأستاذ الغمراوي يكون على حد اصطلاح الأوربيين كمن يضع العربة أمام الفرس بدل أن يضع الفرس أمام العربة وهو الترتيب الطبيعي، لأن الدكتور طه قرأ الشعر العباسي قبل أن يقرأ الأدب الأوربي، وتأثر بالشعر العربي قبل أن يتأثر بالشعر الأوربي، وإني واثق أنه اطلع في الأدب الأوربي على الوقور وغير الوقور من الشعر. اطلع على شعر سوفوكليز ويوربيدس وإسكيليس. فهل يريد الأستاذ الغمراوي أن يقول إن اطلاع الدكتور طه حسين على شعر سوفوكليز مثلاً هو الذي أغراه باختيار شعر الحسين بن الضحاك؟ إنه إن قال هذا القول دل على أنه لم يطلع على شعر سوفوكليز وقس على ذلك غيره من الشعراء ولا أدري أي الشعراء الأوربيين هم الذين أوعزوا إلى الدكتور باختيار شعر مجان العرب. هل قراءته لشعر بودلير أم قراءته لشعر فرلين؟ إني لم أقرأ في شعر بودلير وفرلين (وقد قرأت بعضه) ما يماثل بعض شعر أبي نواس والحسن بن هاني في صراحته. ولا أظن أن