ضيقة بمثل أخلاقي عال صالح للناس جميعاً. كان مما بَّشر به:(حب المرء لله أن يحب قريبه كنفسه) وليس القريب هنا هو الإسرائيلي مثلاً، بل الإنسان للإنسان:(عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به. إن وصيتي لكم أن يحب بعضكم بعضا كما أحببتكم، لا يوجد حب أعظم من أن يعطى المرء من حياته لأصدقائه).
أما محمد: صفوة الخلق كافة، خاتم الأنبياء والمرسلين. فقد جاء في الأخلاق بما يعتبر بحق المثل الأعلى الكامل:(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا). . . إلى آخر هذه الأوامر الحكيمة الذهبية العالمية التي احتوتها تلك الآيات الكريمات:(وجزاء سيئة سيئة مثلها. فمن عفا وأصلح فأجره على الله. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون). ويضاف لهذا ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه). (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(الدين المعاملة).
وهكذا نرى أن كثيراً من ذوي الضمائر الإنسانية عارضوا التقاليد والإفهام الضيقة التي كانت مقبولة في أزمانهم وبيئاتهم بمثل عليا؛ وبعبارة أخرى بمثل أعلى أخلاقي حكموا حقاً بصلاحيته للجميع دائماً. وصلوا لذلك لأنه أتيح لهم أن يتخطوا الجماعات التي كانوا يعيشون بينها، ونجحوا في الدخول في حظيرة الإنسانية الخالدة والحياة العامة التي لا يحدها مكان أو زمان
هذه الأفكار الأخلاقية العالمية التي وصل إليها أصحاب الضمائر العالية النيرة بعد تفكير عميق تجاوزوا به أزمانهم وبيئاتهم وأممهم إلى الإنسانية العامة في أوسع حدودها. هذه الأفكار السامية التي يجب أن تكون مقبولة منا جميعاً، أليس لنا أن نقرر أنها حقائق أخلاقية عامة فتكون الأخلاق لذلك علماً من العلوم؟ بلى وربي، إنه مما لا مرية فيه أن هذه الآراء ليست شعاراً ومبادئ مقدسة للناس جميعاً يصدرون عنها في أعمالهم دائماً. هذه حقيقة لا ريب فيها، ولكن الحقائق العلمية لا تزيد عليها في هذا المعنى
حينما يعرف العلماء الحقيقة العلمية بأنها الاتجاه العقلي العام نحو مركز واحد أو نتيجة واحدة، أو بأنها الشيء الذي تتجه إليه العقول كلها وتقبله - حينما يعرفونها بهذا أو ذاك لا