للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقصدون أن هذا الاتجاه العام محقق، بل يقصدون أنه أمنية يرجون يوماً ما أن تكون. وفي الواقع لا يقبل كثير من الناس الذين لا يزالون على الفطرة والجهالة الأولى التفسيرات العلمية الصحيحة لكل الظاهرات الكونية كالرعد والبرق والمطر والكسوف والخسوف، بل لا يزال منا معشر المصريين من يعلل هذه الظواهر ونحوها بما لا يتفق مع العقل في شيء. ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون. فحين يعلن العلماء أن الحقائق العلمية محل اتفاق جميع العقول، يكون الغرض العقول الموهبة القادرة على الحكم الصحيح، أو الأمل أنها تكون حقاً ذات يوم محل اتفاق جميع العقول بلا استثناء. إذن لنا أن نأمل هذا للحقائق الأخلاقية السابق ذكرها هي وأمثالها، فنقول: هناك حقائق أخلاقية تفرض نفسها على الضمائر السليمة، وإنها من الآن مقبولة من كل وهب القدرة على الحكم الصائب كما أنها ستكون يوماً ما، قريباً أو بعيداً، مقبولة من الجميع عندما ينظر المرء نظرة واسعة تنتظم العالم بأسره وتعتبر الناس اخوة متساوين فيما لهم من حقوق وعليهم من واجبات

هذا الرجاء الذي يجب أن نقنع به الآن، نجد لحسن حظ الإنسانية أنها تقترب منه شيئاً فشيئاً لعوامل عديدة. هناك قوى هامة مختلفة تعمل للتقريب بين الضمائر وجمعها على مبادئ واحدة من الناحية الأخلاقية كما حصل ويحصل كذلك من الناحية العلمية. من ذلك انتشار العلم وسهولة اتصال الناس في كافة أرجاء الأرض وسرعة ذلك الاتصال وحدته وتزايده يوماً فيوما لا فرق في ذلك بين السود والبيض وغيرهم من الأجناس المختلفة. هذا الاتصال مستمر الذي طابعه الحدة والعنف بل الوحشية بعض الأحيان كما في حالات الاستعمار، أنتج كثيراً من المظالم والآلام، ولكنه عمل أيضاً على تعارف الأمم وتفاهم الشعوب والقضاء على كثير من التقاليد الأخلاقية الضيقة الخاصة، كما عمل على تبادل المبادئ الأخلاقية واختيار انفعها الضيقة الخاصة، كما عمل على تبادل المبادئ الأخلاقية واختيار أنفعها. وسيؤدي استمرار هذه العملية الواسعة إلى إتاحة الفرصة إلى أن يوسع الناس جميعاً مداركهم ويسموا بترتيبهم حتى يجاوزوا بذلك الدود الطبيعة من محيطات وبحار وأنهار وجبال ويصلوا إلى أبعد الآفاق. حينئذ يجمعون في عقولهم وقلوبهم كل ما أمكن لشعوب العالم قاطبة خلقه أو كشفه من حقيقة وجمال، ويركزون في ضمائرهم ما يوجد في الحياة العامة من عقل وحكمة ومبادئ أخلاقية نبيلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>