ومنهم الشاعر إبيكوس الذي اهتم كثيراً بقرض أناشيد (الصبيان) ومازج بين الشعر والموسيقى ووشى قصائده بورد الربيع وعصافيره وحبر العذارى
ومنهم سيمونيدز (٥٥٦ - ٤٦٨) وهو أوسعهم ثقافة، وهو في شعر الحكمة يشبه شاعرنا أبا الطيب من حيث الفكرة العميقة وقوة السبك وعلو المنزلة؛ وكانوا يتدارسون شعره في مجالس يعقدها جلة العظماء لهذا الغرض. وكان سفير قومه في بلاط الملوك والأمراء الأجانب. وقد ذهب برغم كبره ليعقد الصلح بين أميري صقلية المختصمين فأدى مهمته على خير وجه. ويعزون إليه أنه كان بخيلاً شديد الحرص؛ وذلك أنه كان يطلب لقصائده (ثمناً محدداً) لا ينقص منه مهما ألحف عليه في ذلك. . . وأحسن قصائده ما كان له علاقة بالحرب. وقد كتب عن ترموبيلي أروع غُرره ونظم في قتلاها أجمل فرائده. . . ولذا أحبه اليونانيون وآثروه بلقب شاعرهم الوطني دون بندار
أما بندار، فهو بلا ريب أعظم الشعراء الغنائيين الذين أنجبتهم اليونان على الإطلاق. . . ولقد ولد في إحدى قرى بووطيه حيث نشأ نشأة موسيقية، فتعلم العزف على القيثارة ثم مهر في النفخ بالناي، وكان أستاذه في ذلك عمه الشاعر الذي كان يلازمه ويعلمه الغناء والإنشاد فضلاً عن الموسيقى والشعر. . . ثم ذهب إلى أثينا ليتخصص فيما شداه من هذه الفنون، فأتيح له الاتصال برجالاتها وذوي الرأي فيها. ومما يذكر له في هذه الفترة من فترات التحصيل أنه دخل في مباراة إنشادية غنائية مع زعيمة من زعيمات الغناء في أثينا تدعى كورينّا. فغلبته وتفوقت عليه. . . وتقلب بندار في الإمارات اليونانية جميعاً، وحل ضيفاً كريماً على أكثر ملوك الولايات حيث كان يقابل بالبشر ويُتلقى بالترحاب. . . وكان بندار يكره سيمونيدز، وينقم من الناس تهافتهم على شعره الذي كان يدعوه حكمة ولم يكن يدعوه شعراً. وبندار وسيمونيدز في ذلك مثل البحتري والمتنبي. فقد كان البحتري شاعراً لأنه كان يُغني، أما أبو الطيب فقد كان حكيماً. وحسبه أن ثلاثة أرباع ما يحفظ الناس من أبيات الحكمة هو من شعره. وقد كان بندار ينزع في شعره وفي حياته نزعة لاهوتية، فقد أخذ على عاتقه إحياء سنة السلف الصالح بالغناء للآلهة، وقرض الشعر، ونظم الأناشيد الدينية تسبيحاً بأسمائهم، وله في رها وبان. وأبولو منظومات خالدة. . . ومن هنا منزلته الرفيعة في دلفي، فقد كان كهنة المعبد يحبونه ويعتبرونه قديساً، لأنه أّلف حولهم قلوب العامة،