يكون لحكمهم من أثر عظيم في نفسه في حالتي السخط أو الرضى. . . لقد يكون في هذه الألوف المؤلفة قضاة غير عدول. . . فقد ذكر الأستاذ ج. ك. ستوبارت أن كثيرين من أهل أثينا كانوا ينظرون إلى التحكيم في المباريات الأدبية بحسبان أنها مصدر عظيم من مصادر رزقهم. . . بل كان بعضهم يعدها المصدر الوحيد لهذا الرزق. . . يقصد بذلك أنهم كانوا يبيعون أصواتهم لمن يدفع ثمناً أكثر. . . وهذا عيب تافه من عيوب الديمقراطية شهدنا مثله في معاركنا الانتخابية، لكنه لا ينهض دليلاً على فساد الذوق الفني عند اليونانيين.
لقد كان غشيان المسارح فرضاً قوميّاً على الأثينيين في أعيادهم. وقد أثر عنهم أنهم كانوا يقولون إن من لم يذهب إلى المسرح في العيد لم يكن له عيد. . . وقد كانت الحكومة تنظر إلى المسرح نظرة كريمة عالية. لقد كانت تعد الجامعة العليا التي لا تعلم حروف الهجاء بل التي تطبع الشعب على أسمى صور الفضيلة والإيثار والتضحية فتخلق منه شعباً راقياً طيب الأعراق يتذوق أمور الحياة العليا بإحساس حي ناضج بصير لا بإحساس بهيمي بليد
وكانت كل طبقات الشعب تغشي المسرح الكبير في أثينا، وكان يظن أن النساء كن محجوبات عن شهوده، لكن الأستاذ روي فلكنجر دحض هذا الظن الذي لم يكن إلا حدساً وترجماً، بل زاد فأثبت بأدلة قاطعة أن الأرقاء أنفسهم كانوا يذهبون إلى المسرح للتمتع بالتمثيل، وكانت الحكومة تدفع لهم ثمن تذاكرهم، وكان ثمن التذكرة أوبولين، قطعة من العملة اليونانية القديمة يساوي من عملتنا المصرية أثنى عشر مليما (ثلاثة بنسات إنجليزية أو خمسة سنتات أمريكية) فيكون ثمن التذكرة قرشين ونصف قرش تقريباً أو ما يعادل ثمن التذكرة بالدرجة الثالثة في أي دار من دور السينما عندنا.
وبعد فهذه لمحة خاطفة عن نشوء الدرامة اليونانية تليها لمحات عن المسرح اليوني في عصر بركليس، العصر الزاهر العجيب الذي حفل بأكبر عدد من شعراء الدرام على رأسهم إسخيلوس وسوفوكليس ويورببيدز.