وهذا بعينه هو الأفيون إن لم نقل هو أخبث من الأفيون في الكذب والتحطيم
فقد صدر في مطلع هذا العام كتب ثلاثة لمن يسمونهم بالكهول والشيوخ وهم طه حسين واحمد أمين وكاتب هذه السطور. فكم نهراً من أنهر الصحف اليومية قرءوه في تقريظ هذه الكتب أو في الإشارة إلى صدورها؟
لا أذكر أنني قرأت شيئاً ذا بال في الصحف اليومية عن كتاب طه حسين (مستقبل مصر الثقافي) أو كتاب احمد أمين (فيض الخاطر)
أما كتابي رجعة أبي العلاء فقد ظهر وأوشك أن يباع نصفه ولما تذكر صحيفة يومية واحدة أنه صدر من المطبعة مجرد صدور. . . والكتب مع هذا تسير في طريقها وتلقى حظها من الذيوع
فالواقع أن جيل الأدباء الكهول في مصر جيل لا يدين لأحد بما أصاب من شهرة ومكانة، وهو في هذه الخصلة جيل فريد بين أدباء العالم من أقدمين ومحدثين
فالأدباء الأقدمون كانوا يعولون على النصراء والمشجعين ويعتمدون على الخلع والهبات
والأدباء العصريون في أوربا يعولون على دعوة الناشرين وإقبال الملايين من القراء في لغاتهم وفي اللغات الأخرى التي يترجمون إليها
أما أدباء الكهول والشيوخ المصريون فلا نصراء ولا هبات ولا دعوة ناشرين ولا ملايين قراء، وكل ما هنالك حسد واضطغان واستهداف للبذاء من مأجوري الشيوعيين ومأجوري أصحاب المطامع ومن تقعد بهم الرخاوة عن الجد والكفاح
فماذا كانوا لاقين يا ترى لو أصابوا من الكسب والشهرة ما يصيبه برناردشو أو ولز أو موجهام أو لدفيج من طبعة واحدة لكتاب واحد يباع للقراءة ويباع للتمثيل ويباع للصور المتحركة ويباع للترجمة في بضع لغات!
وما أحسب إلا أننا كنا نمشي يومئذ في الطريق فيخرج علينا الكامنون من (نابغي الجيل الجديد) بالمسدسات والسكاكين!!
هذه هي حرب الأجيال عندنا لا يقال في وصفها أصدق من أنها لعب أطفال، أو مكيدة أنذال، أو سفاهة جهال؛ وليس من ورائها نفع للأدب العربي ولا لمن يحاربون في ميدانها بذلك السلاح المفلول؛ ولن ينهزم فيها أناس انتصروا على الزمن وعلى الجهل وحدهم بغير