هناك يؤلفون ويبتدعون ويزاحمون الرأي بالرأي، والنهج بالنهج، والتفكير بالتفكير؛ وهنا لا يؤلفون ولا يفكرون ولا يقرءون، ولا يزيدون على إبراز شهادة الميلاد والترنم بما يسمونه حقوق الجيل الجديد.
هناك يثبون إلى المستقبل فيسبقون، وهنا يرجعون إلى الوراء ويشبهون الببغاوات في ترديد الصياح القديم.
أضف إلى هذا أموراً أخرى تختلف فيها البواطن والظواهر ويؤجر عليها القادحون في مشاهير الكتاب لغرض ليس بالصريح ولا بالشريف.
فهم تارة مأجورون لأصحاب المطامع السياسية الذين يريدون القبض على أعنة الدعوة في بلاد المشرق، فلا يملكون هذه الأعنة والمشاهير من الكتاب قائمون مسموعون، فيبذلون ما في وسعهم للغض من أولئك الكتاب والتطاول عليهم بالصياح والضجيج الذي قد يروج بين الأوشاب والأغمار، لأن الأوشاب والأغمار لن يطلبوا دليلاً ولن يميزوا ما يسمعون.
وهم تارة مأجورون للشيوعيين الذين ينادون بالأدب الدارج أو أدب اللغة العامية لأنه أدب (الصعاليك) وهم يبشرون بدولة الصعاليك ولا يسرهم أن ترسخ في المشرق العربي آداب اللغة الفصحى ولا الآراء التي تناقض ما يدعون إليه من فوضى وابتذال، بل لا يسرهم أن تستقر في الأقطار العربية مكانه مصر خاصة لأن مصر خاصة قبلة المأثورات الموقرة من التاريخ القديم، فإذا هدموا مكانتها فقد زال من طريقهم هذا المعقل الحصين وتمهدت الأرجاء بطاحا ذلولا ليس فيها ما يعوق نعيب ماركس وخليفته لنين، وصاحبيه تروتسكي وستالين.
فإذا لم يكونوا مأجورين لأصحاب المطامع أو للشيوعيين فهم مغرورون يتهافتون على الشهرة ولا يتذرعون لها بأسبابها ولا يرجعون إلى ما فيهم من نقص وكسل وعجز عن الكفاح، بل يفضلون التعلل بالأسباب الواهنة والدعاوى الكاذبة والحجج المسلية التي تشبه الأفيون في التخدير والإرضاء وتشبهه في هدم القوى وتخريب الأذهان
وكثيراً ما تسمعهم يقولون: كيف تأتينا الشهرة وهؤلاء الكهول أو الشيوخ يحتكرون ثناء الصحف السيارة ويستأثرون بميدان الدعوة والتأليف؟