ماء لا يقفل تماماً فيحسب أن ماءه أغزر من ماء غيره لأنه لا يستطاع إحكام حبس الماء من التسرب منه. وهذه الهفوات الفكرية هي التي وطدت السبيل لأن يفهم الأستاذ في النزعة إلى التجديد ما ليس فيها، ففهم أنها حركة التفاف يراد بها التعاون مع الحاقدين على الدين الإسلامي من الأوربيين. وقد أوضحنا للأستاذ بالشواهد التاريخية والأدلة المنطقية أن كل ما في هذه النزعة من محاسن ومفاسد كان من الممكن استنباطه من الآداب والعلوم العربية حتى ولو لم تتأثر النفوس بأدب اللغات الأوربية، وإنما كانت تحتاج إلى زمن أطول لاستخراج كل هذه الأمور لو لم تتأثر بأدب اللغات الأوربية. ولا أدري لماذا لم يتهم الأستاذ الغمراوي أبا العلاء المعري بأنه كان يريد أن يقوم بحركة التفاف وتطويق معاونة لأعداء الإسلام من الأوربيين
ومن رأيي أن الأستاذ الغمراوي يؤدي خدمة كبيرة للدين والفضيلة لو أنه ترك نزعة التجديد وحاول بغيرته الصادقة أن يطهر الشعور الديني من شوائب الأثرة والمجون في نفوس الناس الذين يعتقدون أن تدينهم صك يعفيهم من ضرورة تطهير أنفسهم من المجون ومن تهالك الأثرة وجشعها ووسائلها الخبيثة وأحقادها. وإذا كان شيخ الأدب القديم محمود باشا سامي البارودي لم يعصمه أخذه بالمذهب القديم من اختيار شعر أبي تمام في الغلام. فإن من الظلم يا أستاذ أن تلوم الدكتور طه وهيكل بعد ذلك على نشر قصص منقولة عن الفرنسية، وهي مهما كانت لا يبلغ بها المجون هذا المبلغ، وبعضها كان دراسات نفسية (سيكولوجية)، وإذا كان شيخ المعرة أبو العلاء المعري لم يرد أن يقوم (بحركة التفاف) لمعاونة أعداء الإسلام من الأوربيين عندما قال: (قالوا لنا خالق حكيم) إلى أن قال:
هذا كلام له خبئ ... معناه ليست لنا عقول
وعندما قال:(الموت نوم طويل لا انتهاء له)، وانظر إلى قوله لا انتهاء له، وعندما قال في إنكار البعث:
لو كان جسمك متروكاً بهيئته ... بعد التلاف طمعنا في تلافيه
ومثل قوله في فناء الروح:
وجسمي شمعة والروح نار ... إذا حان الردى خمدت بأفِّ
أقول بعد هذه الأقوال وأشباهها التي يتخللها أقوال أخرى تختلف عنها: إذا كان شيخ المعرة