وكما عمدوا إلى ذلك لتضخيم الممثلين فكذلك عمدوا إلى فم الوجه التنكري فنفخوه بحيث يخرج الصوت منه مدوياً يجلجل في أرجاء المسرح فلا تضيع كلمة واحدة على نظارة الصفوف الخلفية
وقد أدى هذا المكياج العجيب إلى بطء الحركة في المرقص بطئاً شديداً لأن تلك الأخفاف الخشبية ذات الأعقاب العالية لا تعمل على السرعة بل تعمل على البطء، هذا إلى اضطرار الممثل أن يتجه دائماً إلى الوجهة التي يعبر عنها الوجه التنكري الذي يلبسه، لأنه لا يستطيع تبديل (تقاطيعه) حسب ما يقتضيه سياق الحديث
وكانت طبيعة هذا المسرح الضخم الرحيب تقتضي أن يكون الممثل حاذقاً بارعاً ملماً بدقائق فنه خبيراً بتوجيه الصوت الذي كان ينبغي أن يكون دائماً جهورياً عالياً في غير حشرجة ولا تصديع
وقد كان الشعراء أنفسهم - وهم مؤلفو الدرامات - يقومون بتمثيل الأدوار المهمة ويتولون في الوقت نفسه مهمة الإخراج والإشراف الشامل على تمثيل الأدوار الأخرى. . . وقد ظل إسخيلوس وسوفوكليس يمثلون أدوارهم حتى اضطرا إلى التخلي عن ذلك حينما ضعف صوت إسخيلوس ورأى سوفوكليس أن يستعمل ممثلا آخر يقوم عنه بهذه المهمة، ومن هنا نشأ الاحتراف في التمثيل حوالي سنة ٤٥٦ ق. م
وإسخيلوس هو أول من اتخذ ممثلين بدل ممثل واحد يقوم بمعظم الأدوار الهامة في الدرامة. وقيل إن سوفوكليس زاد عدد الممثلين فجعلهم ثلاثة؛ وقيل إن إسخيلوس هو الذي صنع ذلك وسنّه لمن جاء بعده
وكانت أدوار النساء تسند عادة إلى الصبيان المُرد ذوي الصوت الناعم الرخيم. وقد مثل سوفوكليس نفسه دور الحسناء نوزيكا في درامته المفقودة (نساء غاسلات). . . ولا تدري ماذا منع الإغريق من إسناد هذه الأدوار إلى السيدات، وليس في المصادر التي بأيدينا ما يلقى النور على ذلك
وقد كان الفنانون يبدون مهارة عجيبة في صنع الأوجه التنكرية وخاصة لأدوار النساء، وقد حفظ لنا الأثر كثيراً من فن فدياس في ذلك خصوصاً في أدوار درامات سوفوكليس
أما الخورس (المنشدون) فقد عرفنا أن عددهم في الدثرامب (أغاني باخوس) القديمة كان