للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سنة ١٨٤٠ إلا تدخل تلك الدول خشية فتح باب المشكلة الشرقية بما تقتضيه من التنافس على توزيع أسلاب الدولة العثمانية

وفي سنة ١٨٨٢ احتلت إنجلترا مصر احتلالاً مؤقتاً بموافقة صاحبي الشأن في معاهدة سنة ١٨٤٠ وهما سلطان تركيا وخديو مصر فعاد نفس الموقف الذي كان قائماً أيام الاحتلال الفرنسي. وبعد أن انتهت الحالة المؤقتة التي أدت إلى ذلك الاحتلال أصبحت فرنسا تطالب إنجلترا بالجلاء بنفس الحجة التي كانت هذه تتذرع بها أيام نابليون فسعت إنجلترا سعي هذا الأخير لإزالة العقبة القانونية التي تجعل احتلالها غير مشروع فأوفدت درامندو ولف إلى الآستانة للاتفاق على تبرير الاحتلال الدائم وهو الحماية ففشلت، وكان بعض فشلها راجعاً إلى سعي فرنسا التي حاربتها بنفس الحجة التي حوربت بها قبلاً وظلت تحاربها بها إلى أن اتفقت معها إنجلترا على إطلاق يدها في مراكش

لجأت إنجلترا أيضاً إلى مثل ما لجأ إليه نابليون من حمل الشعب المصري على المطالبة بالانفصال عن تركيا قبل أن ينجلي الجيش الإنجليزي عن مصر وقدمت في سبيل ذلك للشعب المصري خدمات اقتصادية وقامت له بإصلاحات إدارية كثمن لإلهائه عن الاستقلال فنجحت مع بعض الأعيان الذين كانوا يسمونهم أصحاب المصالح الحقيقية فراحوا يقولون إن الاستقلال هو الانفصال عن تركيا قبل الجلاء. وكانت الغاية التي قصد إليها الإنجليز أن تزول من طريقهم إلى الحماية الحقيقية تلك العقبة التي جعلت مركزهم غير صحيح. ثم شفع هؤلاء المصريون خطتهم بالمناداة بالاتفاق مع إنجلترا كما تنكروا لسلطة الخديو الممثل الشرعي للسيادة المصرية المقررة في معاهدة سنة ١٨٤٠ حتى تنهدم المعاهدة المذكورة من ركنيها الخارجي والداخلي، هذين الركنين اللذين هدمهما الاحتلال

عندئذ قام مصطفى كامل فنهض نهضة استقلالية تامة لاشك في اتجاهها ومراميها، وقال مراراً إن مصر لا تريد إبدال متبوع بمتبوع، ولكنه احتاط عند تحديد المطالب السياسية فجعل هدفه الأول جلاء الاحتلال ووضع أمامه معاهدة سنة ١٨٤٠ سنداً قانونياً سياسياً ضد الاعتداء الحقيقي على تلك المعاهدة

إن القول بأن استفادة مصطفى كامل بالعوامل الخارجة عن الجهود المصرية كان مناداة بالتبعية لهذه العوامل إنما هو قول بعيد عن الحقيقة التي لمسها معاصروه قبل أن يسلموا له

<<  <  ج:
ص:  >  >>