وعلى هذا فقد قدمت المطبعة المصرية إلى العالم العربي أجل الخدمات، وستظل النهضة الحديثة في الأدب العربي مدينة للمطابع المصرية، لأنها كانت أكثر مطابع الشرق العربي إنتاجاً ولأنها في هذا الإنتاج بعثت النشاط والحركة في ذهن العالم النائم
ومن العبث ومن الإنكار أن ننسى فضل المطبعة الأميرية، ومطبعة الساسي والحلبي وكثير غيرها، فقد ولدت هذه المطابع بما أخرجت من كتب، وقدمت من ثمرات، تياراً فكرياً كان له أكبر الأثر في الحركة الأدبية الحاضرة
والعالم العربي كله على المطبعة المصرية، ينظر إليها كما ينظر المزارع إلى السماء، يأمل خيرها، ويرجو غيثها؛ والسيد زهير يعرف ذلك في بيروت، وأعرفه أنا في دمشق، ويعرفه غيري وغيره في العراق والمغرب والحجاز؛ وهو لا يجهل أيضاً أن الجيل الحاضر قد فتح عينيه على المنفلوطي والزيات وطه حسين وأحمد أمين والمازني والعقاد والحكيم وشوقي وحافظ ومطران ورامي، وأنه قرأ هؤلاء وكثيراً غيرهم وأفاد منهم فأصلح لسانه وقوّم بيانه، وثقف عقله، ثم التفت إلى المكتبة العربية الزاخرة فلم تطق عيناه هذه الأوراق الصفراء البالية، فكاد يعزف عنها لولا أن تداركته المطبعة المصرية بهذه الذخائر الممتعة التي أخرجتها للناس
الواقع أن امتداد الأدب المصري، والثقافة المصرية، في أجواء البلاد العربية قد كان. . . وأنه كان امتداداً واسعاً. . . وأن أثره كان طيباً عميماً. . . وأن البلاد العربية كلها مدينة له، عالة عليه، فقد استثار في أجوائها الحياة، وسكب فيها بعد رقدة طويلة روحاً جديدة نيرة
وليس من عرفان الجميل حين يشتد منها الساعد، في العراق ودمشق وبيروت، وتبدأ البذور التي رعتها المطبعة المصرية بالإنماء، أن نجحد الفضل الأول وننكره ونزدريه.
وبعد فهل صحيح أن المطبعة المصرية اقتصرت على المؤلفات القديمة، وأن المؤلفات المصرية الحديثة أنشأها كتاب مصريون بمادة أجنبية مستوردة من الخارج؟
نحن نحب أن يقوم النقاش الأدبي، وأن تنضج الحركة الفكرية، ولكنا لا نحب أبداً أن يكون هذا النقاش قائماً على عصبية مفرطة أو خيال خصب. . . وإلاّ فمن ذا الذي يقول إن المؤلفات المصرية الحديثة غير موجودة؟ أنا أحيل السيد زهيراً إلى فهارس المكتبات العامة، فسيجد فيها كل ما كان مخبأ لا يظهر على وجهه، وسيحفظ للقراء أوقاتهم مخافة أن