أما في القرن الرابع فقد وصل التصوير الإغريقي إلى أزهى أيامه لا من حيث الناحية الفنية والدقة فحسب، بل كذلك من حيث العمل الصناعي. وتُعد مدرسة سيكيون التي رأسها بامفيلوس من أبرز المدارس وأهمها.
وكان بامفيلوس نفسه عالماً وكاتباً في فن التصوير، وقد صور لوحات صغيرة لتمثيل المناظر الاجتماعية في دائرة محدودة، ولكنه تخصص في تصوير الزهر والأغصان، وله لمعشوقته جليكيرا صور عديدة، كما أن له صورة مشهورة أسماها محاربة الثيران
وقد وجدت مدرسة هامة من مدارس التصوير لها تاريخ مجيد، ألا وهي المدرسة الطيبية الأتيكية التي برز بعض العاملين فيها مثل نكوماخوس الذي اشتهر بسرعة العمل والإنتاج المبسط، وابنه وتلميذه أرستيدس الذي كان مولعاً بالمواقف الممثلة للحالات النفسية العنيفة وله فيها صورة فذة تمثل أماً تنظر إلى ابنها الرضيع يحتضر. وله تلميذ هو أويفرانور الذي اشتغل حينا في أثينا، وكان نحاتاً إلى جانب كونه مصوراً، كما كان كاتباً وعالماً، وله طابع مميز هو تصويره الرجولة في أكمل معانيها. وله قطعة معروفة أسماها (عراك الفرسان في مانتينا الواقعة في أركاديا الشرقية والتي تم النصر لايباميثنداس على الاسبرطيين فيها سنة ٣٦٢ ق. م وغير ذلك في أثينا.
ولعل تلميذه وقريبه نيكياس من أحسن مصوري تلك المرحلة، فقد كان معاصراً لبركسيتلس ولون له بعض تماثيله، واشتهر بالتصوير بالشمع ووصل إلى دوجة عليا في صناعة الألوان، وكانت له عناية خاصة باختيار الموضوعات الجديرة بالتصوير، فصور مناظر القصة الإغريقية وأبدع في تصوير أبطالها من الرجال والنساء.
أما أعظم مصوري الإغريق إطلاقاً فهو أبيلليس الكلوفوني الذي عاش في إفيزوس والذي تمتع بأكبر قسط من التقدير والشهرة؛ فأسموه بحق (بوكسيتلس التصوير) أو (رفائيل العصر القديم). عاش في النصف الثاني من القرن الرابع، ودعاه الملك فيليب إلى قصره، ثم عمل كمصور في بلاط اسكندر الأكبر، وقد قدره أحسن تقدير ورعاه أجمل رعاية. ومما هو معروف عنه أنه كان على غاية التواضع ولين العشر، وكانت له كلمات خالدة ذهبت مثلاً بين الناس.
وينحصر طابعه المميز في أنه وحّد بين الاتجاه الهادئ للمدرسة اليونية وبين الميل العنيف